مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ
ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا
تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» و صار دعاؤهم مستجابا لأنهم لا
يسألونه إلّا ما يكون، و لا يكون إلّا ما قدّر في سابق العلم. فقلوبهم في راحة من
التعلّق بالأسباب، و أبدانهم فارغة من تكلّف ما لا يعنى به، و نفوسهم ساكنة عن
الوسواس، و هم في راحة من أنفسهم، و الناس منهم في راحة و أمان، لا يريدون لأحد
سوءا، و لا يضمرون شرّا لأحد من الخلق، عدوّا كان أو صديقا، مخالفا كان أو موافقا.
و هذه أيضا حكاية أخرى. فهذه محاورات جرت بين رجلين، أحدهما من
أولياء اللّه تعالى و عباده الصالحين الذين نجّاهم اللّه من نار جهنم و أعتقهم من
أسرها، و أخلص نفوسهم من عداوة أهلها، و أراح قلوبهم من ألم المعذّبين فيها.
و الآخر من الهالكين المعذّبين فيها بألوان العذاب، المحرقة قلوبهم
بحرارة عداوة أهلها، المتألمّة نفوسهم بعقوباتها. قال الناجي للهالك: كيف أصبحت يا
فلان؟
قال: أصبحت في نعمة من اللّه، طالبا للزيادة، راغبا فيها، حريصا على
جمعها، ناصرا لدين اللّه، معاديا لأعداء اللّه، محاربا لهم.
قال الناجي: و من أعداء اللّه هؤلاء؟
قال: كلّ من خالفني في مذهبي و اعتقادي.
قال: و إن كان من أهل لا إله إلّا اللّه؟
قال: نعم.
قال: إن ظفرت بهم ما ذا تفعل بهم؟
قال له: أدعوهم إلى مذهبي و اعتقادي و رأيي.
قال: فإن لم يقبلوا منك؟
قال: أقاتلهم، و أستحلّ دماءهم و أموالهم، و أسبي ذراريهم.