و الملاذّ التي تراد الدنيا من أجلها. و من
كان يرى و يعتقد أمر الحياة في الدنيا على هذه الحال، فهو لا يتصوّر أمر البعث، و
لا يتحقّق أمر القيامة، إلّا مفارقة النفس الجسد بعد استقلالها بذاتها، و تفرّدها
بجوهرها، و مشاهدتها عالمها، و لا يسأل ربّه إلّا اللّحوق بأبناء جنسها من الماضين
من عباد اللّه الصالحين، من النبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين، كما سأل
ابراهيم خليل الرحمن ربّه في آخر دعائه فقال:
«وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» يريد بعد الموت. و هكذا يوسف
الصديق: «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ» يريد بعد الموت. فقال اللّه تعالى لمحمد نبيّه،
صلى اللّه عليه و سلم، و على جميع النبيين: «وَ لَلْآخِرَةُ
خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» و قال، 7: «أبى
اللّه أن يجعل لأوليائه الخلود في الدنيا».
فمن كان هذا رأيه و اعتقاده فهو لا يتصوّر البعث و القيامة إلّا
مفارقة النفس الجسد، كما حكي عن رسول اللّه، صلى اللّه عليه و سلم، أنه قال:
«من مات فقد قامت قيامته».
و يحكى عن بعض من كان يعتقد هذا الرأي أنه لقي أخا له من أهل رأيه،
فقال له: كيف أصبحت يا أخي، فكيف حالك في هذه الدنيا؟ فقال:
بخير، و نرجو خيرا من هذا أن سلمنا من آفاتها و بلياتها، إن شاء
اللّه تعالى؛ فكيف أنت، و كيف حالك؟ قال: كيف تكون حال من يصبح في دار غربة أسيرا
فقيرا، لا يقدر على جرّ نفع ما يرجو، و لا دفع ضرّ ما يكره! قال أخوه: كيف ذلك؟
قال: لأنهم قد يجازون بما عملوا من خير أو شرّ، أو عرفان أو إنكار. و اعلم يا أخي
أن هذا الرأي و الاعتقاد جيّد للنساء، و الصبيان، و الجهّال، و العوامّ، و من لا
ينظر في حقائق العلوم و لا يعرفها. و ذلك أنهم إذا اعتقدوا هذا الرأي، و تحققوا
هذا الاعتقاد، يكون ذلك حثّا لهم على عمل الخير، و ترك الشرور، و اجتناب المعاصي،
و فعل الطاعات، و أداء الأمانات، و ترك الخيانات، و الوفاء بالعهود، و صحّة