سائر أموره؛ فيكون له بهذه الأوصاف قربة إلى
ربه، و حياة لنفسه، و هدوء لقلبه، و نجاة من المهالك، كما ذكر اللّه تعالى بقوله
حكاية عن عبد من عباده و هو مؤمن من آل فرعون، يكتم إيمانه، في آخر خطاب طويل مع
فرعون: «وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ
بِالْعِبادِ، فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ
سُوءُ الْعَذابِ».
فأما من يظنّ أو يتوهم أن العالم مستقلّ بذاته، و مستغن في وجوده عن
فيض باريه عليه بالمادّة و البقاء و الحفظ و الإمساك، فهو يكون معرضا عن ربّه،
ناسيا ذكره، غافلا عن دعائه، مشغولا بما حوله من أعراض دنياه و ما كان له فيها، و
ملكه منها. فهو لا يذكر ربّه إلّا ساهيا، و لا يدعوه إلّا لاهيا، و لا يسأله إلّا
بطرا و رياء، أو مضطرّا عند الشدائد و البلوى و المصائب و الضّرّاء، على كره منه و
شكوك في حيرة و ضلال، لا يدري لم ابتلي، و لا كيف عوفي هو، و يكون جاهلا بربه حقّ
معرفته، فيبقى محجوبا عن ربه طول عمره في دنياه
«فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا».
و من الآراء الجيّدة، و الاعتقادات النافعة لنفوس معتقديها، المعينة
لها على الانبعاث من نوم الغفلة، المقيمة لها من رقدة الجهالة، المحيية لها من موت
الخطيئة، المنجية لها من نيران الهاوية: عالم الكون و الفساد، الموصلة لها إلى
الجنة: عالم الأفلاك و سعة السماوات، المقرّبة لها إلى باريها لديه زلفى، اعتقاد
الإنسان العاقل، و علمه اليقين أنه متوجّه إلى ربه، و قاصد نحوه منذ يوم خلقه نطفة
في قرار مكين، ينقله ربه و خالقه حالا بعد حال من الأنقص إلى الأتمّ و الأكمل؛ و
من الأدون إلى الأشرف و الأفضل، إلى أن يلقى ربّه، و يراه و يشاهده، فيوفّيه
حسابه، كما ذكر اللّه، جلّ ثناؤه، بقوله:
«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا
صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» و
آيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى. و قال اللّه تعالى وعيدا و ذمّا و توبيخا