و عن أهل التقليد الذين لا يعرفون حقيقة ما
هم مقرّون به من أمر الآخرة و البعث و القيامة، و الحشر، و الحساب، و الميزان، و
الصّراط، و المعاد، و الجزاء هناك: إن خيرا فخيرا، و إن شرّا فشرّا. لأن هذا العلم
هو لبّ الألباب، و سرّ لأولياء اللّه دون سواهم؛ لأن أولياء اللّه هم المصطفون
الأخيار الذين أخلصوا بخالصة ذكرى الدار. و نريد أن نلوّح من هذا العلم طرفا في
هذه الرسالة الجليلة القدر، بإشارات مرموزة، و أمثال مضروبة للمريدين للّه، عزّ و
جلّ، الطالبين دار الآخرة، إذ كان الإخبار عن حقيقتها يدقّ عن البيان، و يبعد عن
التصوّر بالأفكار، و التخيّل بالأوهام، إلّا لأنفس زاكية، و أرواح طاهرة، و قلوب
واعية، و آذان سامعة؛ و لكن، قبل ذلك، نحتاج أن نذكر النفس و الروح و حقيقتهما، و
ماهيّتهما و تصاريف أمرهما؛ إذ كان معرفة حقيقة الآخرة و أمر المعاد بعد معرفة
البعث و القيامة، بعد معرفة النفس و الروح، و علّة أخرى أيضا أن قوما من علماء
الإسلام يتعاطون العلوم و الكلام و الجدل، و ينكرون أمر النفس و وجودها، و يجهلون
حقيقة الروح و تصاريف أحوالها. من أجل هذا احتجنا إلى أن ندلّ أولا على وجود
النفس، و ماهيّة جوهرها و تصاريف أمورها، بطريق السمع و الإخبار، و ما ذكر في
الأخبار و الكتب النبوية المنزلة؛ ثم نذكر حججا عقلية حكمية، لأن قوما من هؤلاء
المجادلة لا يرضون طريق السمع و الإخبار، و لا يقنعهم ذلك، لشكوك في نفوسهم، و
ريبة في قلوبهم، بل يريدون دلائل عقليّة، و حججا فلسفية، فنقول:
اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن الحكماء و الفلاسفة قد
أكثرت، في كتبها، و في مذكّراتها، ذكر النفوس، و حثّت تلاميذها و أولادها على طلب
علم النفس و معرفة جوهرها، لأن في علم النفس و معرفة جواهرها، معرفة حقائق الأشياء
الروحانية من أمر المبدإ و المعاد، و الباري تعالى عز و جل، و ملائكته، و خاصّة
معرفة البعث و حقيقة القيامة و النّشر