القوى. و ذلك أن أفعالها نوعان: فمنها ما
يخصها بمجرّدها، و منها ما يشترك مع قوى أخرى. فمنها الصنائع كلها فإنها مشتركة
بينها و بين القوّة الصناعية.
و منها الكلام و أقاويل اللغات، فإنها مشتركة بينها و بين القوة
الناطقة. و منها تناول رسوم المعلومات المحفوظة، فإنها مشتركة بينها و بين القوة
الحافظة.
و أما التي تخصها من الأفعال فالفكر، و الرّويّة، و التصوّر، و
الاعتبار، و التركيب، و التحليل، و الجمع، و القياس. و لها الفراسة، و الزّجر، و
التّكهّن، و الخواطر، و الإلهام، و قبول الوحي، و تخييل المنامات.
و تفصيل ذلك: فأما بالفكر فاستخراج الغوامض من العلوم. و بالرويّة
تدبير الملك و سياسة الأمور. و بالتصوّر درك حقائق الأشياء. و بالاعتبار معرفة
الأمور الماضية من الزمان. و بالتركيب استخراج الصنائع أجمع. و بالتحليل معرفة
الجواهر البسيطة و المبادي. و بالجمع معرفة الأنواع و الأجناس.
و بالقياس درك الأمور الغائبة بالزمان و المكان. و بالفراسة معرفة ما
في الطبائع من الأمور الخفيّة. و بالزّجر معرفة حوادث الأيام. و بالتّكهّن معرفة
الكائنات بالموجبات الفلكيّة. و بالمنامات معرفة الإنذارات و البشارات.
و بقبول الخواطر و الإلهام و الوحي معرفة وضع النواميس و تدوين الكتب
الإلهيّة و تأويلاتها المكنونة التي لا يمسّها إلّا المطهّرون من أدناس الطبيعة
الذين هم أهل البيت الروحانيّون.
و قد بيّنّا في رسالة الناموس أن وضع النواميس و تدوين الكتب الإلهية
أعلى رتبة ينتهي إليها الإنسان بالتأييد الرّبّاني، و هي أشرف صناعة تجري على أيدي
البشر مثل شريعة صاحب التوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان.
و اعلم يا أخي أن الباري، جلّ جلاله، جعل الأمور الجسمانيّة المحسوسة
كلّها مثالات و دلالات على الروحانيّة العقلية، و جعل طرق الحواس درجا و مراقي
يرتقى بها إلى معرفة الأمور العقلية التي هي الغرض الأقصى في بلوغ النفس إليها.