و القوّة المتخيّلة، و القوّة الحافظة، و
القوّة الناطقة، و القوة الصانعة.
و اعلم أن القوة المفكرة التي مسكنها وسط الدماغ، من بين هذه القوى،
كالملك، و سائرها لها كالجنود و الأعوان و الخدم و الرعية، يتصرفون بأمرها و نهيها
فيما يفعلون في أعضاء الجسد من الحركات، و ما يظهرون من الصنائع و الأعمال؛ و أن
موضعها من بين مواضع سائر القوى في أشرف عضو من الجسد و أخصّ مكان منه، كما أن دار
الملك في أشرف مدينة من بلدان مملكته، و في أجلّ موضع من المدينة، و في أشرف بقعة
منها.
و اعلم يا أخي أن أفعال هذه القوى الخمس أشرف و أكرم من أفعال سائر
القوى. و قد بيّنا في رسالة الحاسّ و المحسوس أن القوة المتخيّلة التي مسكنها
مقدّم الدماغ، نسبتها إلى القوّة المفكرة بما تجمع إليها من أخبار المحسوسات، كنسبة
صاحب الخريطة إلى الملك؛ و نسبة القوة الحافظة التي مسكنها مؤخّر الدماغ، و نسبتها
إلى المفكرة، كنسبة الخازن الحافظ ودائع الملك؛ و نسبة القوة الناطقة التي مجراها
على اللسان إلى المفكرة كنسبة الحاجب و الترجمان إلى الملك؛ و نسبة القوة الصانعة
التي مجراها اليدان و الأصابع إلى المفكرة كنسبة الوزير المعين له في تدبير
مملكته، و المساعد له في سياسته لرعيته.