و أما الفيل فإنه يفهم الخطاب بذكائه، و
يمتثل الأمر و النهي كما يمتثل الرجل العاقل المأمور المنهيّ. و هذه الحيوانات في
آخر مرتبة الحيوانية مما يلي رتبة الإنسان لما يظهر منها من الفضائل الإنسانية.
و أما باقي أنواع الحيوانات ففيما بين هاتين المرتبتين. و إذ قد
فرغنا من ذكر مراتب الحيوانية مما يلي رتبة الإنسانية، فينبغي أن نذكر أوّل مرتبة
الإنسانية مما يلي الحيوانية.
فصل
اعلم يا أخي أن أدون رتبة الإنسانية مما يلي الحيوانية هي رتبة الذين
لا يعلمون من الأمور إلّا المحسوسات، و لا يعرفون من الخيرات إلّا الجسمانيات، و
لا يطلبون إلّا إصلاح الأجساد، و لا يرغبون إلّا في الدنيا، و لا يتمنّون إلّا
الخلود فيها، مع علمهم أنهم لا سبيل لهم إلى ذلك! و لا يشتهون من اللذات إلّا
الأكل و الشرب مثل البهائم، و لا يتنافسون إلّا في الجماع و النّكاح كالخنازير و
الحمير، و لا يحرصون إلّا في جمع الذخائر متاع الحياة الدنيا، يجمعون ما لا
يحتاجون إليه كالنمل، و يخبئون ما لا ينتفعون به كالعقاعق، و لا يعرفون من الزينة
إلّا صباغ اللباس كالطواويس، يتهارشون على حطام الدنيا كالكلاب على الجيف .. و إن
كانت صورتهم الجسدانية صورة الإنسان، فإن أفعال نفوسهم أفعال النفوس الحيوانية و
النباتية.