التي إذا طال طلع من هناك. و هذه الأفعال
تدلّ على أن له حسّا و تمييزا بمقدار الحاجة. فأما حسّ الألم فليس للنبات، و ذلك
لأنه لم يلق بالحكمة الإلهية أن تجعل للنبات ألما، و هي لم تجعل له حيلة الدفع،
كما جعلت للحيوان، و ذلك أن الحيوان لما جعل له أن يحسّ بالألم، جعلت له أيضا حيلة
الدفع إما بالفرار و الهرب، و إما بالتحرّز، و إما بالممانعة. فقد بان مما وصفنا
كيفية مرتبة الحيوانية مما يلي النبات، فنريد أن نذكر و نبيّن كيفية مرتبة
الحيوانية مما يلي الإنسانية- ليست من وجه واحد و لكن من عدّة وجوه- و ذلك أن رتبة
الإنسانية لما كانت معدن الفضائل و ينبوع المناقب لم يستوعبها نوع واحد من
الحيوان، و لكن عدّة أنواع، فمنها ما قارب رتبة الإنسانية بصورة جسده مثل القرد، و
منها بالأخلاق النفسانية كالفرس في كثير من أخلاقه و كالطائر الإنسيّ أيضا، و مثل
الفيل في ذكائه و كالببغاء و الهزار و نحوهما من الأطيار الكثيرة الأصوات و
الألحان و النغمات، و مثل ذلك النحل اللطيف الصنائع، إلى ما شاكل هذه الأجناس. و
ذلك أنه ما من حيوان يستعمله الناس أو يأنس بهم إلّا و له في نفسه شرف و قرب من
نفس الانسانية.
فأما القرد فلقرب شكل جسده من شكل جسد الإنسان صارت نفسه تحاكي أفعال
النفس الإنسانية و ذلك منه متعارف بيّن.
و أما الفرس الكريم فإنه قد بلغ من كرم أخلاقه أن صار مركبا للملوك،
و ذلك أنه ربما بلغ من حسن أدبه أن لا يبول و لا يروث ما دام بحضرة الملك أو
حامله. و له أيضا مع ذلك ذكاء و إقدام في الهيجاء و صبر على الطعن و الجراح، كما
يكون للرجل الشجاع، كما وصف الشاعر حيث يقول: