و كما أن يوم الحكم يقعد القضاة و يحضرون
العدول و يدعى الشهود، و يحشرون هم و الخصوم، و تخرج الصكوك، و يفصل الحكم، فهكذا
يوم عرض الحبوس يخرج الوالي و يحضر الأعوان، و يخرجون المحبوسين، و تتبيّن براءة
قوم منهم فيطلقون، و قوم تقام عليهم الحدود و يخلّون، و قوم يخلّدون في الحبس إلى
يوم الفصل الثاني، و هكذا يوم عرض النفوس، يخرج الوالي و يخرج الدواوين، و يحضر
الكتاب، و يدعو المنيبين للعرض، و تعطى أرزاق المستحقين، و يزاد قوم و قوم ينقصون،
و يثبت قوم و قوم يسقطون. و هكذا يجري حكم النفس الكلية في الأنفس الجزئية يوم
الدين، لأن اللّه تعالى جعل أحكام الدنيا و مجاري أمورها أمثلة، و أشار بها إلى
أحوال القيامة و مجاري أمورها، فاعتبروا يا أولي الأبصار و تيقنوا يا أولي الألباب: «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ.»
و إنما ذكر اللّه الميزان و الوزن و العدد يوم الحساب، لأن النّصفة[1] بين الناس لا تتبين لهم إلّا بالكيل
و الوزن و العدد و الذّرع، و هذه كلها كالموازين تعرف بها مقادير الأشياء فمن أجل
هذا قال: «وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيامَةِ.» و لم يقل: «و نضع الميزان.» فإن توهم متوهم أن
الذي وعده النبي، صلى اللّه عليه و سلم، الناس يوم القيامة من وزن الأعمال من
الخير و الشر، و هذه أعراض لا تثبت و تتبين، فكيف يكون وزنها، فليعلم أن الوزن
إنما يحتاج إليه ليعلم مقدار الشيء ليقابل بمثله، أو يزاد عليه أو ينقص منه، و
هذا المعنى شائع في الأعراض، جار فيها مثل العروض الذي هو ميزان الشعر الذي به
يعرف استواؤه و زائده و ناقصه، و الشعر عرض من الأعراض، و مثل البنكان و الأصطرلاب
و أمثالها من الآلات يعرف بها مقادير الزمان من الزيادة و النقصان و الاستواء، و
الزمان عرض من الأعراض. و مثل الذراع الذي يعرف