و كما أن لأهل تلك المدينة فيها لأهلها صناعا و عمّالا لهم اجرة و
أرزاق، و فيها باعة و تجار يتعاملون بموازين و مكاييل، و لهم مظالم و خصومات، و
لهم فيها قضاة و عدول، و لهم فقه و أحكام و فصول و قضايا، و ان من سنّة القضاة البروز
و الجلوس لفصل القضايا في كل سبعة أيام يوم واحد، فهكذا يجري حكم النفس الكلية في
الأنفس الجزئية في كل سبعة آلاف سنة مرة تعرض النفوس الجزئية لدى النفس الكلية،
فتبرز النفس الكلية لفصل القضايا بينها بالحق، فلا تظلم نفس شيئا، إن كان مثقال
حبة من خردل أتينا بها، و كفى بنا حاسبين.
و روي عن النبي، صلى اللّه عليه و سلم، أنه قال: «عمر الدنيا سبعة
آلاف سنة، بعثت في آخر ألف منها» و قال: «لا نبيّ بعدي» و على آخر هذه المدة تقوم
الساعة. و إلى هذه المدة أشار بقوله تعالى: «وَ إِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.» و
هذا الخطاب كان يوم الميثاق، و هو يوم العرض الأول، و يوم القيامة هو يوم العرض
الثاني الكائن بينهما مدّة سبعة أيام، كلّ يوم كألف سنة كما قال اللّه تعالى:
«وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ.» و إلى هذا اليوم أشار بقوله تعالى:
«وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا
فَهُمْ يُوزَعُونَ.» و قال:
«يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ: ما ذا أُجِبْتُمْ؟ قالُوا: لا
عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» و
قال: «كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قالُوا: لَبِثْنا
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَسْئَلِ الْعادِّينَ».