و اعلم أن الباري، جل ثناؤه، هو أول الموجودات كما أن الواحد هو قبل
كل الأعداد. و كما أن الواحد هو نشوء الأعداد، كذلك الباري موجد الموجودات. و كما
أن الاثنين أول الأعداد و الأعداد ترتّبت عن الواحد، كذلك العقل أول موجود أبدعه
الباري، جل و علا، و اخترعه. فمنه غريزي و مكتسب دليل على رتبته في الموجودات. و
كما أن الثلاثة ترتبت بعد الاثنين، كذلك النفس ترتبت في الوجود بعد العقل، و صارت
أنواعها ثلاثة:
نباتية و حيوانية و ناطقة، لتكون دالة على رتبتها في الموجودات له.
ثم أوجد الباري، جل ثناؤه، الهيولى كما ترتبت الأربعة بعد الثلاثة. و من أجل هذا
قيل إن الهيولى أربعة أنواع: هيولى الصناعة، و هيولى الطبيعة، و هيولى الكل، و
الهيولى الأولى، لتكون هذه الأربعة الأركان دالة على مرتبتها في الموجودات. ثم
الطبيعة ترتبت بعد الهيولى كما أن الخمسة ترتبت بعد الأربعة.
و من أجل هذا قيل إن الطبائع خمس: إحداها طبيعة الفلك، و أربع تحت
الفلك، ثم ترتب الجسم بعد الطبيعة كما ترتبت الستة بعد الخمسة. و من أجل هذا قيل
إن الجسم له ست جهات. ثم تركّب الفلك من الجسم و ترتب بعده كما ترتبت السبعة بعد
الستة. و من أجل هذا صار أمر الفلك يجري على سبعة كواكب مدبّرات ليكون دلالة على
رتبته في الموجودات. ثم ترتبت الأركان في جوف الفلك كما ترتبت الثمانية بعد
السبعة. و من أجل هذا قيل إنها ذات ثمانية مزاجات، فالأرض باردة يابسة، و الماء
بارد رطب، و الهواء حارّ رطب، و النار حارّة يابسة، لتكون هذه الثمانية الأوصاف
دالة على رتبتها في الموجودات. ثم تولدت الموّلدات الثلاثة الأجناس، ذات التسعة
الأنواع، لتكون دالة على مرتبتها في الموجودات الكليات و هي آخرها كلها، كما أن
التسعة آخر مرتبة الآحاد، و هي الكائنات الموّلدات من الأركان