فأقربها إلى الحس هيولى الصناعة مثل الخشب و
الحديد و القطن بحسب ما بيّنا. فإن كل صانع لا بد له من هيولى يعمل فيه و منه
صناعته. و الثاني هيولى الطبيعة و هي النار و الهواء و الماء و الأرض. و ذلك أن كل
شيء تعمله الطبيعة التي تحت فلك القمر من الموجودات، فإن هذه الأركان الأربعة هيولى
لها. و الثالث هيولى الكلّ أعني الجسم المطلق الذي يعمّ الأفلاك و الكائنات أجمع.
و الرابع الهيولى الأولى و هو جوهر قابل للصورة، فأول صورة قبل هي الطول و العرض و
العمق، و كان بذلك جسما مطلقا. و هذه الهيولى من المبادي الأولى المعقولة. و ذلك
أن هذه الهيولى أول معلول النفس، و النفس أول معلول العقل، و العقل أول معلول
الباري تعالى، و أن الباري تعالى علة كلّ موجود و مبدعه و متقنه و متمّمه و مكمّله
على النظام و الترتيب الأشرف فالأشرف. و ترتيب الموجودات عنه كترتيب العدد عن
الواحد الذي قبل الاثنين، كما بيّنّا في الرسالة التي ذكرنا فيها خواصّ العدد.
فالعقل هو أول موجود أوجده الباري تعالى و أبدعه من غير واسطة، ثم
أوجد النفس بواسطة العقل، ثم أوجد الهيولى. و ذلك أن العقل جوهر روحاني فاض من
الباري عز و جل و هو باق تامّ كامل. و النفس جوهرة روحانية فاضت من العقل، و هي
باقية تامّة غير كاملة. و الهيولى الأولى جوهر روحاني فاض من النفس، و هو باق غير
تامّ و لا كامل.