إنه ينبغي لمن يريد النظر في مبادئ الموجودات، ليعرفها على حقائقها،
أن يقدّم أولا النظر في مبادئ الأمور المحسوسة، ليروض بها عقله، و يقوّي بها فهمه
على النظر في مبادئ الأمور المعقولة، لأن معرفة الأمور المحسوسة أقرب من فهم
المبتدئين و أسهل على المتعلمين، فنقول:
إن الجسم أحد الموجودات المحسوسة، و هو جوهر مركّب من جوهرين بسيطين
معقولين: أحدهما يقال له الهيولى، و الآخر يقال له الصورة.
فالهيولى هو جوهر قابل للصورة، و الصورة هي التي بها الشيء ما هو.
مثال ذلك: الحديد هيولى لكل ما يعمل منه كالسكين و السيف و المنشار و غير ذلك.
فالسكين إنما هي اسم للصورة، و كذلك السيف و الفأس، لأن الحديد في كلّها واحد، و
الصورة مختلفة، و اختلاف الأسماء بحسب اختلاف الصور.
و كذلك أيضا الخشب فإنه هيولى لكل ما يعمل منه كالباب و السرير و
الكرسي.
و ليس كل هيولى تقبل كلّ صورة، لأن الخشب لا يقبل صورة القميص، و لا
الشّقّة تقبل صورة الكرسي، و لا الهيولى تقبل أي صورة تقدمت، لأن القطن لا يقبل
صورة الشّقّة، و لا الغزل يقبل صورة القميص. لكن القطن أوّل ما يقبل صورة الغزل، و
بتوسّط صورة الغزل، يقبل صورة الشّقّة، ثم صورة القميص. و هكذا الطعام أوّل ما
يقبل صورة الدقيق، ثم صورة العجين، ثم صورة الخبز.
و على هذا المثال يكون قبول الهيولى للصور المختلفة: الأول فالأول
على الترتيب. و ذلك أن الهيولى الأولى أوّل ما قبلت صورة الجسم الذي هو الطول و
العرض و العمق، ثم بتوسط الجسم تقبل سائر الصور من التدوير و التثليث و التربيع و
ما شاكل ذلك. و الهيولى يقال على أربع جهات،