و الإفصاح عما تهمّ الحاجة إليه من أمر
الدين و الدنيا.
و كان النبي، صلى اللّه عليه و سلم، يجيب السائل من أمته بلغته و
يكلّفه و يكلمه بلسانه. فأما غيرهم فإنه يكلمهم، صلى اللّه عليه و سلم، بكلامهم، و
إنما بعث إليهم و أقام فيهم، و علّمهم و أرشدهم، و سهّل عليهم الألفاظ، و ضرب لهم
المعاني، و أخذهم بالملاطفة، حتى فهموا الدين، و تعلموا القرآن بلسان فصيح لا يخطئ
فيه و لا يغيّره و لا يبدّله، إذا كان صحيح الحفظ متقن التلقين. و لذلك ما يقال في
الصلاة و في الحج من التّلبية و الإحرام و الدّعاء و الابتهال إلى اللّه تعالى،
يقال فيه و لا يفهم ما سوى ذلك.
ثم اعلم أن مثل الأمة، إذا تركت وصيّة نبيها، و اختلفت من بعده، و
اعتمدت على رأيها، و أرادت أن تملّك عليها ملكا، و تنصبّ فيما بينها خليفة بغير
معرفة من الرسول و لا وصيّة منه و لا إرشاد، و رأت في اجتماعها منفعة لها و صلاحا
لأمورها من غير نصّ و لا إشارة، فمثلها، كما يذكر، مثل الغربان و البزاة فيما قيل
في أمثال الهند إن الغربان كان عليهم ملك منهم، و كان بهم رحيما و إليهم محسنا، و
إن ذلك الغراب مات، و اختلفوا من جهة من يملّكونه عليهم من بعده، و تحاسدوا و
خافوا أن تقع بينهم العداوة. فقال بعضهم لبعض: تعالوا حتى نجتهد في الرأي و نجمع العلماء
و أهل الفضل فينا، و نعقد مجلسا للمشاورة فيمن يصلح لهذا الأمر، و فيمن ينبغي أن
يكون ملكا علينا.
فاجتمعوا و تشاوروا و قالوا: لا نرضى بأحد من أهل الملك الذي كان
فينا، مخافة أن يعتقد و يظنّ أن الملك إنما ناله وارثا من أبيه و أقاربه، فيسومنا
سوء العذاب، و إذ كنا نحن نتولّى إقامة من نقيمه، كنا نحن أصحاب المنّة عليه و
الإحسان عليه.
قال أحدهم: و إذا كان الأمر على هذا، فعليكم بأهل الورع و الدين، فإن
صاحب الورع و الدين لا يكاد يهجم على الأمور الدّنيوية و لا يرغب في الدنيا.