أعني صوت الزّمر و البوق، تشبه أصوات
الأحجار و المعادن، إذا نقره المحرّك كان له دوي و طنين يمكث في الهواء ممتدّا لا
ينقطع إلى أن يسكن، لا تقطيع فيه من أصوات الحيوانات مثل أصوات الزنابير و ما
شاكلها.
فأما أصوات ذوات الأوتار، و ما يستعمل منها في أنواع الأغاني بحركات
اليدين موازية لحركة اللسان و الإيقاع، مستوي اللحن، صحيح الوزن، و ما كان بخلاف
ذلك، كان مناسبا لأصوات الطيور الثّقال الطبع كالإوزّ و ما جانسها، و ككلام الثقيل
الكلام من الناس، و يكون ذلك لفساد الحركة و بعدها من النّسبة الفاضلة، كما عجزت هيولى
الإنسان عن قبول ما جعل فيها. و عجزها بإظهارها إياه من القوة إلى الفعل، و كان
ذلك عجزا من المصنوع لا من الصانع، كما أن صانع العود، إذا أحكم صنعته و شدّ
أوتاره و أصلح مضاربه، و أخذه من لا يعرف الصناعة، و لا يحسن العمل به فنقره، فإنه
لا يأتي من تصويته مثل ما يأتي به العارف بعلمه و صنعته، و لا ينسب ذلك إلى فساد
في الآلة و إلى فساد من الصانع، و إنما ينسب إلى عجز المحرّك. فإذا رأيت آلة العود
مفردة، و الأوتار مقطعة، و حركة الحاذق بالصناعة لم تساعده على ما يريد بإظهار
صناعته، فليس ذلك منسوبا إلى عجزه فيه، و لكن إلى عجز الآلة و نقصانها عن التمام.
فمن كلا الوجهين الصانع بريء من العجز، إذا كانت صنعة الأشياء على النّسبة
الفاضلة، و قصده في صنعته الإتقان و الإحكام.
و إنما حدث النّقص و الفساد من جهة الهيولى، كما أن المعلم إنما غرضه
أن يعلّم تلميذه ما يحسنه، حتى يكون حاذقا فيه، فيكون مثله و حافظا لعلمه. فإذا لم
يقبل المتعلم منه و أخذ ألفاظا مستوية فأحالها عن وجهها، فليس ذلك منسوبا إلى
المعلم، لكن إلى عجز المتعلم عن البلوغ إلى ما يعلّمه الأستاذ دفعة واحدة، لا
بالتدريج ليعرف الشيء بعد الشيء.