الصّلبة المجوّفة كالأواني و غيرها و
الطرجهارات إذا نقرت طنّت زمانا طويلا، لأن الهواء يتردد في جوفها و يصدم في
حافاتها، و يتموّج في أقطارها، و ما كان منها أوسع كان صوته أعظم، لأن الهواء
يتموّج فيها و يصدم في مروره مسافة بعيدة. و الحيوانات الكبيرة الرّئة، الطوال
الحلاقيم، الواسعة المناخر و الأشداق تكون جهيرة الأصوات، لأنها تستنشق هواء
كثيرا، و ترسله بشدة. فقد تبين بما ذكرنا أن علة عظم الصوت إنما هو بحسب عظم الجسم
المصوّت و شدة صدمة الهواء، و كثرة تموّجه في الجهات. و أن أعظم الأصوات صوت
الرعد، و قد بينّا علة حدوثه فيما تقدم في رسالة الآثار العلويّة. و أما أصوات
الرياح و شدة حدوثها فليست شيئا سوى تموّج الهواء شرقا و غربا و جنوبا و شمالا و
فوقا و تحتا. فإذا صدم بحركته و بجريانه الجبال و الحيطان و الأشجار و النبات، و
تخللها، حدثت من ذلك فنون الأصوات و الدويّ و الطنين مختلفة الأنواع، كلّ ذلك بحسب
كبر الأجسام المصدومة و صغرها و تجويفها لعلل يطول شرحها.
فأما أصوات المياه في جريانها و حدوثها و تصادمها بالأجسام، فإن
الهواء، بلطافة جوهره و سريان عنصره، يتخللها كلها، و يكون حدوث تلك الأصوات و
فنون أنواعها بحسب تلك الأسباب التي ذكرنا في أمر الرياح.
و أما أصوات الحيوانات من ذوات الرئات و اختلاف أنواعها و فنون
أقسامها، فبحسب تلك الأقسام و الأسباب التي ذكرناها من أمر الرياح، و بحسب طول
أعناقها و قصرها و سعة حلاقيمها و تركيب حناجرها، و شدة استنشاقها للهواء، و قوّة
إرسال أنفاسها من أفواهها و مناخرها. و كل ذلك لأسباب و علل يطول شرحها.
و أما أصوات الحيوانات التي لا رئة لها كالزنابير و الجراد و
الصّراصر و أشباهها، فإنها تحرّك الهواء بجناحين لهما سرعة و خفة، فتحدث من ذلك
أصوات مختلفة كما يحدث من تحريك الأوتار و العيدان، و تكون فنونها