و الشهوة و الأكل و الشرب و النكاح و الحسّ
و الألم و اللذة و الأمور الحيوانية.
و الإنسان إنما يتميز عن الحيوان بالنّطق و التمييز و القوة العاقلة.
و قيل إن لبعض الحيوانات فكرا و تمييزا و هي النحل و النمل.
و أما إدراكه أصوات الهواء و النار فلما بينه و بينها من المناسبة
لأنه مهيّأ منها كما ذكرنا في رسالة الهيولى و الصورة.
و اعلم يا أخي أنه لو لا المناسبة التي بين الحيوان الحيّ و بين
الجمادات الميتة، لما كان يدرك من المعرفة بها و الإحاطة بخبرها قليلا و لا كثيرا.
فإن قال قائل: لم لا يعرف الصبي الصغير هذه الأشياء على حقيقتها، و بينه و بينها
النسبة موجودة؟ قيل: إن ذلك لعجز في الهيولى عن القبول، لا لغلط من الخالق تعالى «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»
يخلق ما يشاء كما يشاء بلا اعتراض عليه، و بحكم ما يريد بلا غرض، جلّ جلاله!
فصل في اختلاف الأصوات في الصغر و الكبر
فنقول: اعلم أن حدوث الأصوات يكون من تصادم الأجسام بعضها ببعض،
فنقول: إن كل جسمين تصادما برفق لا يسمع لهما صوت، لأن الهواء ينسلّ من بينهما
قليلا قليلا، فلا يحدث صوتا، و إنما يحدث الصوت من تصادم الأجسام إذا كانت صدمتها
بسرعة، فينضغط الهواء عند ذلك، و تتدافع أمواجه، و تتموّج حركته إلى الجهات الست
بسرعة، فيحدث الصوت و يسمع كما بينّا فيما تقدم. و الأجسام الكبار العظام إذا
تصادمت يكون اصطدامها أعظم من أصوات ما دونها، لأن تموّج هوائها أكثر. و كل جسمين
من جوهر واحد، مقدارهما واحد و شكلهما واحد، إذا تصادما معا، فإن صوتيهما يكونان
متساويين. فإن كان أملس فإن صوتيهما يكونان أملس من السطوح المشتركة، و الهواء
المشترك بينهما أملس. و الأجسام