بخلاصها، و ساحت في الملكوت، و تبوّات من
الجنة حيث شاءت فنعم أجر العاملين! ثم اعلم أنه كما يعرض للأجسام أمراض و أعلال
تخرجها من الاعتدال، و تميل بها عن صحة مزاجها، حتى تسقمها، فلا تنتفع بالحياة في
هذه الدار، و لا تنتفع بنعيمها على التمام، و لا يهنيها عيشها على الكمال. فهكذا
يعرض للنفوس الجزئية الحيوانية أمراض تخرجها عن الاعتدال و الطريقة الوسطى و الصحة
و الحقّ و الصّراط السويّ و الهدى، و تميل بالإنسان عن قصد سنن الهدى، حتى لا
تنتفع بالحياة في الأولى، و لا تنال السعادة في الأخرى.
و إن أمراضها أربعة أنواع و هي الجهات المتراكمة، و الأخلاق الردية،
و الآراء الفاسدة، و الأعمال السيئة. ثم تتفرّع هذه كلها للنفوس الجزئية البشرية
لشدة ميلها إلى الشهوات الجسمانية التي هي نيران واقدة تتوقد على الأفئدة بأنواع
الغموم المقلقة و الهموم الحرقة، لشدّة غرورها باللذات الجرمانية التي هي استراحات
عن الآلام الطبيعية و المؤذيات الهيولانيّة.
فصل
ثم اعلم أن لمرض النفوس علاجات و طبّا تداوى بها، كما أن لمرض الأجساد
طبّا يعالج به، و عقاقير يداوى بها، و لها كتب وضعتها الحكماء موصوف فيها
علاجاتها؛ فهكذا أيضا لمرض النفوس كتب و قوانين علمية جاءت بها الأنبياء و
الحكماء، مذكور فيها علاجات الأمراض النفسية، و هو لاقتداء بسنّة الناموس، و
اجتناب المحارم و الانتهاء عن المناهي، و الأخذ بسنّته الحسنة، و السير بسيرته
العادلة، و لزوم طلب المعارف، و التخلّق بالأخلاق الجميلة، و لزوم سنّة الهدى على
الطريقة الوسطى في طلب معيشة الحياة الدنيا و السعي بالأعمال الصالحة في طلب نعيم
الآخرة، مداواة النفوس