من الكلام تأدية المعنى و كل كلام لا معنى
له فلا فائدة للسامع منه و المتكلم به. و كل معنى لا يمكن أن يعبّر عنه بلفظ ما في
لغة ما، فلا سبيل إلى معرفته، و كل حيوان ناطق لا يحسن أن يعبّر عما في نفسه فهو
كالعدم الزائل و الجماد الصامت.
فصل
ثم اعلم أن المعاني في الكلام كالأرواح، و ألفاظها أجساد لها، فلا
سبيل إلى قيام الأرواح إلّا بالأجساد. و الكلام ضربان: مفيد و غير مفيد. و الفائدة
واقعة في الإخبار من جهة المجهول، و المجهول هو المخبر عنه. و الخبر دالّ و غير
دالّ. و الخبر هو كل قول جاز تصديق قائله فيه و تكذيبه لغيبته عن العيان أو لمضيّه
عن الزمان و وصفه أنه مسموع من قائله، مثل مخبر أن مدينة كذا عامرة بأهلها، و أن
فلانا الذي مات كان من أمره وصفته كذا، فقد جاز لمن يسمعه أن يصدّقه و أن يكذبه
لغيبة ما ذكره من أمر المدينة عن العيان و غيبة المائت في الزمان.
و أيضا فإن الإخبار على ثلاثة أقسام: إمّا عن ماض من الزمان، أو عن
غائب عن العيان، أو عن موجود في زمان و مكان. و امتحان ذلك بكان و يكون و كائن.
فكان لزمان ماض، و يكون لزمان آت، و كائن لما هو موجود في الحال. و كل هذه الأقسام
تدخلها الموجبة و السالبة و الموضوع و المحمول، و هذه أقسام الخبر. و هو أيضا غير
خارج من معان ثلاثة واجب و جائز و ممتنع. فالواجب و الممتنع معروفان مستغنيان عن
الدلالة على أحوالهما في الصحة و الفساد. مثال ذلك إذا سمع رجل قائلا يقول الأرض
تحتي و السماء فوقي، فإنه لا يشكّ في صدقه و لا يحتاج إلى إقامة دليل على ذلك. و
هذا، و إن كان كلاما مستقيما، لا يستغني عن الدليل على كذبه، فإنه ما لا يقع