ثم إلى الفم، ثم يخرج من الفم شكل على قدر
عظم الحيوان و قوّة رئته وسعة شدقه، و كلما اتسع الحلقوم و انفرج الفكّان و عظمت الرئة،
زاد صوت ذلك الحيوان على قدر قوته و ضعفه.
و أما الأصوات الحادثة من الحيوان الذي لا رئة له مثل الزنابير و
الجنادب و الصّرصر و الجدجد[1] و ما أشبه
ذلك من الحيوانات، فإنه يستقبل الهواء ناشرا جناحيه، فاتحا فاه، و يصدم الهواء،
فيحدث منه طنين و رنين يشبه صوتا.
و أما الحيوان الأخرس كالحيات و الديدان و ما يجري هذا المجرى، فإنه
لا رئة له، و ما لا رئة له لا صوت له.
و أما الحيوان الإنسيّ فأصواته على نوعين: دالّة و غير دالة. فأما
غير الدالّة فهي صوت لا هجاء له و لا يتقطع بحروف متميّزة يفهم منها شيء مثل
البكاء و الضحك و السّعال و الأنين و ما أشبه ذلك. و أما الدالة فهي كالكلام و
الأقاويل التي لها هجاء في أي لغة كانت و بأي لفظ قيلت.
و كل هذه الأصوات مفهومها و غير مفهومها، حيوانها و غير حيوانها،
إنما هي قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام و عصر حلقوم الحيوان.
و ذلك أن الهواء، لشدة لطافته و صفاء جوهره و سرعة حركة أجزائه،
يتخلّل الأجسام كلها و يسري فيها و يصل إليها و يحرّك بعضها إلى بعض. فإذا صدم جسم
جسما، انسلّ ذلك الهواء من بينهما، و تدافع و تموّج إلى جميع الجهات، و حدث من
حركته شكل كرويّ يتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج. و كلما اتسع ذلك الشكل،
ضعفت قوة ذلك الصوت إلى أن يسكن. و مثال ذلك إذا رميت في الماء الهادئ، الواقف في
مكان واسع، حجرا، فيحدث في ذلك الماء دائرة من موضع وقع الحجر، فلا تزال