الميزان الموضوع بالقسط، فلعلك تعرف وزن
حسناتك و سيئاتك، و احسب حسابك به قبل فوت رأس مالك، فإن الجنة من وراء هذا كله.
و اذكر ما قد نبّهك اللّه له، و ذكّرك إياه بقوله: «كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» و قوله: «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ
بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ». و قال: «أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ».
فإن كنت لا تحسن كيف تقرأ هذا الكتاب، و كيف تحسب هذا الحساب، و كيف
تزن هذا الميزان، و كيف تجوز هذا الصّراط، فهلم مجلس إخوان لك نصحاء، أو أصدقاء لك
كرماء، فضلاء أخيارا علماء، محبين لك، متوددين إليك، فيعرّفوك ما لا تنكره، و
يعلّموك ما تتيقنه و لا تشكّ فيه بشواهد من نفسك، و براهين من ذاتك، و دلائل من
جوهرك، إذا انتبهت نفسك من نوم الغفلة، و رقدة الجهالة، و نظرت بعين البصيرة كما
نظروا، و سرت بسيرتهم العادلة كما ساروا، و عملت بسنتهم الحسنة، و تفقّهت في شريعتهم
العقلية، و دخلت مدينتهم الروحانية، و تخلّقت بأخلاقهم الملكية، و عرفت آراءهم
الصحيحة، و تعلّمت معلوماتهم الحقيقية، فحينئذ تؤيّد بروح الحياة الأبدية، و تعيش
عيش السعداء منعّما مخلدا أبدا بنفسك الباقية الزكية، لا بجسدك البالي المستحيل.
فصل
ثم اعلم أنه قد جعلت الحكمة الإلهية و العناية الرّبانية أعضاء كل
شخص من الحيوان مناسبة لجملة جسده، كما بيّنا في رسالة فضيلة النسب، فنريد أن نذكر
منها في هذه الرسالة طرفا ليتبين تقابل العالم الصغير و الكبير.
و ذلك أن الإنسان لما كان أكمل الموجودات، و أتم الكائنات التي تحت
فلك القمر؛ و كان جسمه جزءا من أجزاء العالم بأسره، و كان هذا الجزء