فنقول: اعلم أنه لما كان تحت فلك القمر أربعة أركان و هي الأمهات
التي بها قوام الأشياء الموّلدات، و التي هي الحيوان و النبات و المعادن. و كذلك
وجد في بنية الجسد أربعة أعضاء هي تمام جملة الجسد، و أولها الرأس ثم الصدر ثم
البطن ثم الجوف إلى آخر قدميه. فهذه الأربعة موازية لتلك، و ذلك أن رأسه مواز لركن
النار من جهة شعاعات بصره و حركات حواسّه. و صدره مواز لركن الهواء من جهة نفسه و
استنشاقه الهواء.
و بطنه مواز لركن الماء من جهة الرطوبات التي فيه. و جوفه إلى آخر
قدميه مواز لركن الأرض من قبل أنه مستقرّ عليه كاستقرار الثلاثة الباقية فوق الأرض
و حولها.
و كما أن من هذه الأركان الأربعة تتحلل البخارات، فمنها تتكون الرياح
و السحب و الأمطار و الحيوانات و النبات و المعادن. و كذلك بهذه الأعضاء الأربعة
تحلل البخارات في بدن الإنسان مثل ما يخرج المخاط من المنخرين، و الدموع من
العينين، و البصاق من الفم، و الرياح التي تتولد في الجوف، و الرطوبات التي تخرج
مثل البول و الغائط و غيرهما.
فبنية جسده كالأرض، و عظامه كالجبال، و المخّ فيه كالمعادن، و جوفه
كالبحر، و أمعاؤه كالأنهار، و عروقه كالجداول، و لحمه كالتراب، و شعره كالنبات، و
منبته كالبرّية الطيبة، و حيث لا ينبت الشعر كالأرض السّبخة[1]،
و وجهه إلى القدم كالعمران، و ظهره كالخراب، و قدام وجهه كالمشرق، و خلف ظهره
كالمغرب، و يمينه كالجنوب، و يساره كالشمال، و تنفّسه كالرياح، و كلامه كالرعد، و
أصواته كالصواعق، و ضحكه كضوء النهار،