و اعلم يا أخي أن معنى قول الحكماء إن الفلك طبيعة خامسة إنما يعنون
أن الأجسام الفلكية لا تقبل الكون و الفساد و التغيّر و الاستحالة و الزيادة و
النّقصان، كما تقبلها الأجسام التي تحت فلك القمر، و أن حركاتها كلّها دوريّة.
و اعلم أن للأجسام صفات كثيرة، فمنها ما تشترك الأجسام كلّها فيها، و
منها ما يختصّ ببعضها دون بعض، فالصفات التي تشترك فيها الأجسام كلّها الطول و العرض
و العمق فحسب.
و اعلم أن الصفات إنما هي صور تحصل في الهيولى، فيكون الهيولى بها
موصوفا؛ فمن هذه الصورة التي تسمّى الصفات مهايا[1]
ذاتيّة للجسم مقوّمة لوجدانه، كالطول و العرض و العمق، لأنها متى بطلت عن الجسم
بطل وجدان الجسم، و من الصورة ما هي متمّمة للجسم مبلغة إلى أفضل حالاته، و هذه
الصورة تختصّ ببعض الأجسام دون بعض، و ربما يشترك فيها عدّة أجسام. فمن الصّور
المتمّمة ما يشترك فيها الأجسام الفلكية و الطبيعية، و هي الشّكل و الحركة و النور
و الشّفافة و اليبس الذي هو تماسك الأجزاء.
و مما يختص بالأجسام الطبيعية الحرارة و البرودة و الثّقل و التغيّر
و الخفّة و الاستحالة و الحركة على الاستقامة و ما شاكلها. و الذي يختصّ بالأجسام
الفلكية سلب هذه الصّفات كلّها، فمن أجل هذا قيل إنها طبيعة خامسة، لأنها ليست
حارة و لا باردة و لا رطبة و لا ثقيلة و لا خفيفة، و لا يستحيل بعضها إلى بعض
فيكون منها شيء آخر، و لا يزيد في مقاديرها و لا ينقص، لأن الباري، جلّ ثناؤه،
أبدعها كلّها و اخترعها تامّة كاملة، فهي باقية بحالاتها إلى وقت ما يريد باريها،
عزّ و جل، أن يفنيها كيف شاء، كما
[1] -مهايا: جمع ماهية، و وجهها ان تجمع على ماهيات.