يرى على وجه القمر، فإن ذلك من إشراق الشمس
على سطح جرمه و لانعكاس شعاعاتها كما يرى مثل ذلك في وجه المرآة إذا قابلت الشمس.
و أما سائر الأجسام التي في العالم فبعضها نيّر و نورها ذاتيّ لها و
هي الشمس و الكواكب و النار التي عندنا، و أما باقي الأجسام فكلّها مشفّات، و هي
الأفلاك و الهواء و الماء و بعض الأجسام الأرضيّة، كالزّجاج و البلّور و ما
شاكلهما. و الأجسام النّيّرة هي التي نورها ذاتيّ، و الأجسام المشفّة هي التي ليس
لها نور ذاتيّ و لا لون طبيعيّ، و لكن إذا قابلها جسم نيّر سرى نوره في جميع
أجزائها مرّة واحدة؛ لأن النور صورة روحانية، و من خاصّيّة الصّور الروحانية أن
تسري في الأجسام دفعة واحدة، و تنسلّ منها دفعة واحدة بلا زمان، فإذا حال بين
الأجسام النيّرة و بين الأجسام المشفّة حائل غير مشفّ منع نور النّيّر أن يسري في
الجسم المشفّ. و النور في جرم الشمس و الكواكب و النار ذاتيّ لها، و أما في أجرام
الأفلاك و الهواء و الماء فعرضيّ. و أما جرم الأرض و القمر فلما كانا غير نيّرين و
لا مشفّين، صار لهما الظلّ، لأن النور لا يسري فيهما كما يسري في الأجسام المشفّة،
غير أن جرم القمر صقيل يردّ النور كما يردّ وجه المرآة، و سطح جرم الأرض غير صقيل،
فهذا هو الفرق بينهما.
فصل في علة الكسوفين
و اعلم يا أخي أنه لما كان جرم الأرض و جرم القمر كلّ واحد منهما
أصغر من جرم الشمس، صار شكل ظلّيهما مخروطا، و شكل المخروط هو الذي أوّله غليظ، و
آخره دقيق، حتى ينقطع من دقّته. فظلّ الأرض يبتدئ من سطحها، و يمتدّ في الهواء
منخرطا، حتى يبلغ إلى فلك القمر، و يمتدّ في سمكه، حتى يبلغ إلى فلك عطارد، و
يمتدّ في سمكه أيضا إلى أن ينقطع