ثم اعلم أنه إذا تمخضت الأركان من تحريك
الأشخاص الفلكية لها، و اجتمع من لطائف زبدتها شيء، و شخص و امتاز عن البسائط،
ربطت به في الوقت و الساعة قوة من قوى النفس الكلية الفلكية في أي مكان كان ذلك
الشيء من البر و البحر و الهواء و النار، في أي وقت كان من الزمان، و تشخّص تلك
القوة، و تمتاز عن سائر القوى لتعلقها بتلك الزبدة، و اختصاصها بتلك الجملة.
فعند ذلك تسمى تلك القوة نفسا جزئية، و عند ذلك تقع الإشارة إلى تلك
الجملة، لأنها حادث كائن حيوانا كان أو نباتا أو معدنا.
و اعلم يا أخي أنه لا بد من أن يكون ذلك الوقت و تلك الساعة درجة
طالعة من أفق المشرق من الفلك على أفق تلك البقعة التي حدثت تلك الزبدة هناك، و
يكون شكل الفلك و مواضع الكواكب على هيئة ما يصوّر من أصحاب الأحكام في زيجات[1] المواليد و التحاويل و المسائل،
فعند ذلك يضاف إلى تلك القوة قوى روحيات سائر الكواكب، و تجذب معها تلك الزّبدة
الموادّ المشاكلة لها، و يكون قبولها بحسب ما في طباع أشخاص أنواع ذلك الجنس من
الأفعال و الأخلاق و الخواص، حيوانا كان أو نباتا أو معدنا.
أمثال ذلك أنه إذا جرت نطفة الإنسان التي هي زبدة دم الرجال، و
اجتمعت في الإحليل عند حركة الجماع، بعد ما كانت منبثّة في أجزاء الدم متفرقة في
خلل البدن، و خرجت من الإحليل، و انصبّت في الرحم، و استقرت هناك، ربطت بها في
الوقت و الساعة قوى من قوى النفس النباتية السارية في جميع الأجسام النامية التي
هي أيضا قوة من قوى النفس الطبيعية السارية في جميع الأركان الأربعة، و التي هي
أيضا قوة منبثّة من النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام الموجودة في
العالم، كما بيّنا في رسالة معنى قول الحكماء: إن الإنسان عالم صغير، و العالم إنسان
كبير.
[1] -الزيجات: جمع الزيج، و هو عند المنجمين كتاب تعرف
به احوال حركات الكواكب و يؤخذ منه التقويم.