المكان، تموج ذلك الهواء الذي هناك، فأحسّت
عند ذلك القوة السامعة بتلك الحركة و التغيير.
و اعلم أن كل صوت له نغمة و صيغة و هيئة روحانية خلاف صوت الآخر؛ و
أن الهواء من شرف جوهره و لطافة عنصره يحمل كل الصوت بهيئة و صيغة، و يحفظها لئلا
يختلط بعضها ببعض، فتفسد هيأتها، إلى أن يبلغها أقصى مدى غاياتها عند القوة
السامعة، لتؤديها إلى القوة المتخيلة. ذلك تقدير العزيز العليم الذي جعل لكم السمع
و الأبصار و الأفئدة، قليلا ما تشكرون.
فصل في إدراك القوة الباصرة
أما كيفية إدراك القوة الباصرة لمحسوساتها التي هي عشرة أنواع: أولها
الأنوار و الظّلم و الألوان و السطوح و الأجسام أنفسها و أشكالها و أبعادها و
حركاتها و سكونها و أوضاعها. فالمدرك من هذه الأنواع بالحقيقة و الذات النور و
الظلمة حسب؛ إلا أن الظلمة شيء يرى و لا يرى بها شيء آخر.
و النور هو الذي يرى و يرى به شيء آخر.
أولها الألوان، و لما كانت الألوان لا توجد إلا في سطوح الأجسام،
صارت السطوح مرئيّة بها. و لما كانت السطوح أيضا لا توجد إلّا في الأجسام، صارت
مرئيّة بتوسط سطوحها. و لما كانت الأجسام أيضا لا تخلو من الأشكال و الأوضاع و
الأبعاد و الحركات، صارت هذه كلها مرتّبة بالعرض لا بالذات.
ثم اعلم أن النور و الظلمة لونان روحانيان؛ و أن السواد و البياض
لونان جسمانيان؛ و أن النور مشاكل للبياض؛ و أن الظلمة مشاكلة للسواد.
و ذلك أن البياض يلوح على سائر الألوان كما أن في النور ترى سائر
المرئيات، و على السواد لا تتبيّن الألوان، و في الظلمة لا يرى شيء.
ثم اعلم أن النور و الظلمة يسريان في الأجسام المشفّة كسريان الروح
في