و أما القوة السامعة و القوة الباصرة،
فإنهما تدركان محسوساتهما إدراكا روحانيّا قطعا.
فصل في إدراك القوة السامعة
أما إدراك القوة السامعة لمحسوساتها التي هي الأصوات، فاعلم أن
الاصوات نوعان: حيوانية و غير حيوانية، و هي نوعان: طبيعية، و آلية. فالطبيعية
الحجر و الحديد و الخشب و الرعد و الريح و سائر الأجسام التي لا روح فيها من
الجامدات. و الآلية كصوت الطبل و البوق و الزّمر و الأوتار و ما شاكلها، و هو هواء
يتقلّب بين جسمين متصادمين بعنف، فيصكّ الهواء الراكد في آلة السمع، و تحته أنواع
كثيرة.
و الحيوانية نوعان: منطقية و غير منطقية، فغير المنطقية هي أصوات
سائر الحيوانات الغير الناطقة، و المنطقية هي أصوات الناس، و هي نوعان:
دالّة و غير دالّة. فغير الدالّة كالضحك و البكاء، و بالجملة كل صوت
لا هجاء له. و الدالّة هي كالكلام و الأقاويل التي لها هجاء، و هي تقطيع الصياح
بانضمام أجزاء الفم، فتحدث منه حروف، كما تضم الشفتين بنوع ما فتحدث الباء، و تضم
بنوع آخر فتحدث الميم. و كل هذه الأصوات إنما هي قرع يحدث في الهواء من تصادم
الأجسام. و ذلك أن الهواء لشدة لطافته و خفة جوهره و سرعة حركة أجزائه يتخلل
الأجسام كلها، فإذا صادم جسم جسما انسلّ ذلك الهواء من بينهما بحميّة و تدافع و
تموّج إلى جميع الجهات، فحدث من حركته شكل كروي، و اتسع كما تتسع القارورة من نفخ
الزّجاج فيها، أو الماء الساكن إذا ألقي فيه حجر فيتزاحم الماء حتى يبلغ إلى أطراف
الغدير.
و كلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته و تموجه إلى أن يسكن و يضمحل.
فمن كان حاضرا من الناس و سائر الحيوانات التي لها أذن بالقرب من
ذلك