فصل في بيان فضيلة النحل و عجائب أموره و
تصاريف أحواله و ما خص به من الكرامات و المواهب دون غيره من الحشرات
فلما فرغ زعيم الإنس من كلامه، نظر الملك إلى أصناف الحيوانات، فسمع
دويّا و طنينا، فإذا هو باليعسوب، أمير النحل و زعيمها، واقف في الهواء يحرّك
جناحيه حركة خفيفة يسمع لها دويّ و طنين مثل نغمة الزير من أوتار العود، و هو
يسبّح اللّه و يقدسه و يهلله. فقال له الملك: من أنت؟
قال: أنا زعيم الحشرات و أميرها.
قال: كيف جئت بنفسك، و لم ترسل رسولا من رعيتك و جنودك، كما أرسلت
سائر طوائف الحيوانات؟
قال: إشفاقا عليهم و رحمة لهم و تحنّنا عليهم أن ينال أحدا منهم سوء
أو مكروه أو أذية.
قال له الملك: و كيف خصصت بهذه الخصال دون غيرك من ملوك سائر
الحيوانات؟
قال: إنما اختصني ربي من جزيل مواهبه و لطيف إنعامه و عظيم إحسانه
بما لا أحصيه.
قال الملك: اذكر منها طرفا لأسمعه، و بيّنه لأفهمه.
قال: نعم أيها الملك، مما خصني اللّه به و أنعم به علي و على آبائي و
أجدادي أن آتانا الملك و النبوّة التي لم تكن من بعدنا لحيوانات أخر، و جعلها
وراثة من آبائنا و أجدادنا، و ذخيرة لأولادنا و ذرياتنا، يتوارثونها خلفا عن سلف
إلى يوم القيامة. و هما نعمتان عظيمتان جزيلتان مغبون فيهما أكثر الخلائق من الجن
و الإنس و سائر الحيوانات. و مما خصنا ربنا و أنعم به علينا أن ألهمنا و علمنا دقة
الصنائع الهندسية، و معرفة الأشكال الفلكية من اتخاذ المنازل و بناء