و هم يشاهدون مثل هذه التي هي أعجب منها و
أعظم في القدرة لو لا جريان العادة بها؟
فصل
اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن مشاهدة جريان الأمور
دائما، إذا صارت عادة قلّ تعجّب الناس منها و الفكر فيها و الاعتبار لها، و يعرض
لهم من ذلك سهو و غفلة و نوم النفس و موت الجهالة.
فاحذر من هذا الباب يا أخي، و لا تكن من الغافلين، و كن من الذين
ذكرهم اللّه في كتابه و مدحهم بقوله: «الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ، وَ يَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا،
سُبْحانَكَ، فَقِنا عَذابَ النَّارِ» و ذمّ الذين بخلافهم
بقوله:
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن أبدان الحيوانات
التامة الخلقة، و الناقصة الخلقة جميعا مؤلّفة و مركّبة من أعضاء مختلفة الأشكال و
المفاصل، مفنّنة الهيئات كالرأس و اليد و الرجل و الظهر و البطن و القلب و الكبد و
الرّئة و غيرها، كل ذلك لأسباب و علل و أغراض لا يعلم كنه معرفتها إلّا اللّه الذي
خلقها و صوّرها كما شاء و كيف شاء. و لكن نذكر منها طرفا ليتبين صحّة ما قلنا و
حقيقة ما وصفنا، و ذلك أنه ما من عضو في أبدان الحيوانات صغيرا كان أو كبيرا إلّا
و هو خادم لعضو آخر، و معين له إمّا في بقائه و تتميمه أو في أفعاله و منافعه،
مثال ذلك الدّماغ في بدن