ترتيب و نظام لما فيه من إتقان الحكمة و
إحكام الصّنعة، لتكون الموجودات كلّها عالما واحدا منتظما نظاما واحدا و ترتيبا
واحدا، لتدلّ على صانع أحد.
فمن أجل تلك الموجودات المختلفة الأجناس، المتباينة الانواع،
المربوطة أوائلها بأواخرها، و أواخرها بما قبلها في الترتيب و انتظام الموّلدات،
الكائنات التي دون فلك القمر و هي أربعة أجناس: المعادن و النبات و الحيوان و
الإنسان، و ذلك أن كلّ جنس منها تحته أنواع كثيرة، فمنها ما هو في أدون المراتب، و
منها ما هو في أشرفها و أعلاها، و منها ما هو بين الطرفين.
فأدون أطراف المعادن مما يلي التراب الجصّ و الزاج و أنواع الشّبوب؛
و الطرف الأشرف الياقوت و الذهب الأحمر، و الباقي بين هذين الطرفين من الشرف و
الدناءة كما بيّنا في رسالة المعادن.
و هكذا أيضا حكم النبات فإنه أنواع كثيرة متباينة متفاوتة، و لكن منه
ما هو في أدون الرّتبة مما يلي رتبة المعادن، و هي خضراء الدّمن، و منها ما هو في
أشرف الرّتبة مما يلي رتبة الحيوان، و هي شجرة النّخل. و بيان ذلك أن أوّل المرتبة
النباتية و أدونها مما يلي التراب هي خضراء الدّمن، و ليس بشيء سوى غبار يتلبّد
على الأرض و الصّخور و الأحجار، ثم تصيبه الأمطار و أنداء الليل، فيصبح بالغد كأنه
نبت زرع و حشائش. فإذا أصابه حرّ شمس نصف النهار جفّ، ثم يصبح من غد مثل ذلك من
أوّل الليل و طيب النسيم. و لا تنبت الكمأة و لا خضراء الدّمن إلّا في أيام الربيع
في البقاع المتجاورة لتقارب ما بينهما، لأن هذا معدن نباتيّ و ذلك نبات معدني.
و أما النخل فهو آخر المرتبة النباتية مما يلي الحيوانية، و ذلك أن
النخل نبات حيوانيّ، لأن بعض أحواله مباين لأحوال النبات، و إن كان جسمه نباتا.
بيان ذلك أن القوّة الفاعلة منفصلة من القوّة المنفعلة، و الدليل على ذلك