و الثمر، و أمسكته هناك بالماسكة. ثم إن
القوة الهاضمة تطبخها مرة رابعة، و تنضجها و تلطّفها و تميّزها و تصيّر الغليظ
منها و الكثيف منها مادّة لجرم القشور و النّوى، و تزيد فيها طولا و عرضا و عمقا،
و تصيّر اللطيف الصافي منها مادّة للفّ الحبّ و الثمر، و هو الدقيق و الدّهن و
الشّيرج[1] و الدّبس
و اللون و الطعم و الرائحة، مختلفة طباعها و منافعها و مضارّها و أمزجتها في
درجاتها. و لما هي مذكورة في كتب الطّب و كتب الأغذية و الحشائش بشرحها، تركنا
ذكرها مخافة التطويل. فهذه الأفعال التي ذكرناها كلّها أفعال النفس النباتية
الخادمة للنفس الحيوانية، المتوسّطة بينها و بين الأركان الأربعة، تتناول بعروقها
عصاراتها نيّا فجّا، ثم تصفّيها و تطبخها و تناولها الحيوان غذاء لطيفا صافيا
لذيذا هنيئا مريئا، كلّ ذلك لطف من اللّه، جلّ ثناؤه، بخلقه، و شفقة عليهم و رحمة
لهم و رفق بهم، فله الحمد و الثناء و الشكر و الدعاء، و منه الفضل و النّعماء و
الآلاء و الإحسان في الآخرة.
و اعلم يا أخي أن النباتات هي كل جسم يخرج من الأرض و يتغذى و ينمو،
فمنها ما هي أشجار تغرس قضبانها أو عروقها، و منها ما هي زروع تبذر حبوبها أو
بذورها أو قضبانها. و منها ما هي أجزاء تتكون من أجزاء الأركان إذا اختطلت و
امتزجت كالكلإ و الحشائش. فهذه الثلاثة الأجناس يتنوّع كلّ واحد منها أنواعا كثيرة
من جهات عدّة و صفات مختلفة، نحتاج أن نذكر منها طرفا، و نشرحها ليكون قياسا على
باقيها، و دليلا من القليل على الكثير. و نبدأ أولا بذكر الأشجار فنقول:
إن الشجر هو كل نبت يقوم على ساقة منتصبا أصله، مرتفعا في الهواء، و
يدور عليه الحول لا يجفّ. و أما النجم فهو كل نبت لا يقوم أصله على ساقه مرتفعا في
الهواء، بل يمتد على وجه الأرض، أو يتعلّق بالشجر و يرتقي