مناسبة و مشاكلة في الطبيعة، كالمناسبة و
المشاكلة التي بين العاشق و المعشوق، و ذلك أن الحديد، مع شدة يبسه و صلابة جسمه و
قهره للأجسام المعدنيّة و النباتيّة و الحيوانيّة، يتحرّك نحو هذا الحجر و يلتصق
به و يلتزمه كالتزام العاشق المحبّ المعشوق المحبوب المشتاق. فإذا فكّر العاقل
اللبيب في فعل هذين الحجرين و غيرهما من الأحجار المعدنيّة و الأجسام النباتيّة،
علم و تبيّن له أن الفاعل المحرّك لهما هو غيرهما، لأن الجسم لا فعل له من حيث هو
جسم ببراهين قد قامت و دلائل قد وضحت، و أن هذه الأجسام كلّها، مع اختلافها و
اختلاف طبائعها و فنون أشكالها و خواصّ طبائعها، هي كالأدوات و الآلات للفاعل
الصانع المحرّك، و هو النفس الكلّيّة الفلكية التي هذه التأثيرات كلّها من
أفعالها، و هي المسماة طبيعة، تظهر و تعمل بإذن باريها، جلّ ثناؤه. و قد تبيّن
بدلائل عقليّة أن الباري، جلّ ثناؤه، لا يباشر الأجسام بذاته و لا يتولّى من
الأفعال بنفسه إلا الاختراع و الإبداع حسب، و أمّا التأليف و التركيب و الصنائع و
الأفعال و الحركات التي تكون بالآلات و الأدوات في الأماكن و الأزمان إنما يأمر
ملائكته الموكّلين و عباده المؤيّدين بأن يفعلوا ما يؤمرون، مثل أمر الملوك و
الرؤساء لعبيدهم و خدمهم و جنودهم.