و قد تبيّن مما ذكرنا أن الجواهر المعدنية، مع كثرة أنواعها و اختلاف
طبائعها و فنون خواصّها، أصلها كلّها و هيولاها هي الأركان الأربعة التي تسمّى
الأمهات و هي النار و الهواء و الماء و الأرض، و تبين أيضا أن الفاعل فيها و
المؤلّف لأجزائها و المركّب لها هي الطبيعة بإذن اللّه تعالى؛ و تبيّن بأن الغرض
من هذه الجواهر المعدنيّة هو منافع الناس و الحيوان، و إصلاح أمر الحياة الدنيا و
معيشة الحيوان إلى وقت معلوم.
و اعلم يا أخي بأن الجواهر المعدنية، مع اختلاف طبائعها و أنواع
أشكالها و فنون جواهرها و خواصّها، كالأدوات للطبيعة الفاعلة، و الآلات لها، تفعل
بها و فيها و منها في الأماكن المتباينة و الأزمان المختلفة هذه الأفعال و الصنائع
و الأعمال من التركيب و التأليف و الجمع و التفريق لأجزاء هذه الأركان الأربعة من
الكون و الفساد و النشوء و البلى حسب دوران الأفلاك و حركات الكواكب و طوالع
البروج على آفاق البلد من البر و البحر و السهل و الجبل و العمران و الخراب، كلّ
ذلك بإذن اللّه تعالى الذي خلقها و وكّلها بالأركان و أيّدها بالقوة الإلهيّة على
هذه الأفعال و الصنائع من تكوين المعادن و النبات و الحيوان.
و اعلم أن الطبيعة إنما هي ملك من ملائكة اللّه المؤيّدين و عباده
الطائعين، يفعلون ما يؤمرون، لا يعصون اللّه ما أمرهم و هم من خشيته مشفقون.
و اعلم أن اللّه تعالى غير محتاج في أفعاله إلى الأدوات و الآلات و
الأماكن و الأزمان و الهيولى و الحركات، بل فعله الخاصّ به هو الإبداع و الاختراع،
إذ الاختراع هو الإخراج من العدم إلى الوجود بحسب ما بيّنّا في رسالة المبادي
العقليّة و الأفعال الروحانية.