في جذب الحديد، فإن هذين الحجرين، يابسين
صلبين، بين طبيعتهما ألفة و اشتياق، فإنه إذا قرب الحديد من هذا الحجر حتى يشمّ
رائحته، ذهب إليه و التصق به، و جذبه الحجر إلى نفسه، و مسكه كما يفعل العاشق
بالمعشوق.
و هكذا يفعل الحجر الجاذب للحم، و الحجر الجاذب للشعر، و الحجر
الجاذب للظّفر، و الحجر الجاذب للتّبن. و على هذا القياس ما من حجر من الأحجار
المعدنيّة إلّا و بين طبيعته و بين طبيعة شيء آخر ألفة و اشتياق، عرف الناس ذلك
أم لم يعرفوه.
و اعلم أن مثل مقابلة أفعال هذه الأحجار بعضها في بعض يكون مثل
تأثيرات الدواء في العضو العليل، و ذلك أن من خاصّيّة كل عضو عليل اشتياقا إلى
طبيعة الدواء المضادّ لطبيعة العلّة التي به، فإذا حصل الدواء بالقرب من العضو
العليل، أحسّ به، و جذبته القوة الجاذبة إلى ذلك العضو، و أمسكته الماسكة، و
استعان بالقوة المدبّرة بطبيعة الدواء على دفع طبيعة العلّة المؤلمة، و قويت عليها
و غلبتها، و دفعتها عن العضو العليل، كما يستعين و يدفع المحارب و المخاصم بقوّة
من يعينه على خصمه و عدوّه، في دفعه عن نفسه. و هذه من إتقان حكمة اللّه، جلّ
جلاله، و عجيب صنعه، و لطيف تدبيره بخلقه من الحيوان، و حسن سياسته له، إذ جعل
لكلّ داء و عارض دواء شافيا، ثم ألهمه إياه، كما ذكر اللّه تعالى حكاية عن موسى،
7، لما قال له فرعون و لأخيه هارون: «فمن ربّكما يا موسى؟ قال: ربّنا
الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى.» يعني خلقه و صوّره و عرّفه منافعه و مضارّه، و
قوّاه و أعانه و حفظه و رعاه و دبّره و ساسه كما شاء و كيف شاء، فتبارك اللّه أحسن
الخالقين.
و أما الطبيعة التي تقهر طبيعة أخرى فمثل طبيعة السّنباذج[1] التي تأكل