اللّه تعالى فيها بأن يهتمّ و يعتني بها
غاية العناية، و لا يخلّ بهذه الوصاية، و يتلطّف في استعمالها و إيصالها، تلطف
الأخ الشقيق، و الأب الشفيق، و الوادّ الصديق، و الطيّب الرفيق، بعد بذل وسعه، و
استفراغ جهده في توخّي القصد و تحرّي الصواب في بذله شيئا بعد شيء لمن رآه شديد
الحاجة اليه، عظيم الحرص عليه، كثير الرغبة فيه، بعد أن اختبرهم و استبرأهم[1]، و استكشف حالهم، فمن أنس منه رشدا،
و رجا فيه خيرا، ممن أقصى مناه خلاص روحه، و نجاة نفسه، و جعل سعيه فيما يرجع الى
ذاته، و الى ما هو سبب حياته، يزهد في أعراض الدنيا، و يرغب فيما هو خير و أبقى،
لا يكذب نفسه[2]، و لا
يسامحها، بل يصدقها صدقا، و يجد حزما، و يعلم حقّا «أن ليس للإنسان إلا ما سعى، و
ان سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى، و ان الى ربّك المنتهى.» دفعها اليه
رسالة رسالة على الولاء شبيه الغذاء و التربية و النماء، و كالدواء للصحة و
الشّفاء، و الكحل و الجلاء[3] لتقوية
البصر و الضياء، ما يقرب من فهمه، و يليق بمحله، من علمه، و يستصلحه لمثله، قدر ما
يغذيه و يربيه و يصحه و يشفيه بل يبصّره و يهديه و يشدّه و يقوّيه أولا فأولا، على
الترتيب المبيّن في الفهرست، حتى إذا ما تمكنت الحكمة من نفسه، و أنست به، و
تصوّرت عنده، و استقرّ في خلده و قوي فيه و تحقق بفكره معانيه، طلب عند ذلك الكلّ
بشدّة حرص و انشراح صدر، و غاية رغبة، و خلوص نيّة، و قوّة عزيمة، و فضل معرفة، و
زيادة يقين، و صحة بصيرة، فحصّلها و عمل بها، و استحقّ بعد النظر فيهن، و الوقوف
على جمل معانيهن، النظر في الرسالة الجامعة، التي هي نهاية المراد، و نزهة
المرتاد، و الفوز في المعاش و المعاد. لأن بهن التوصّل اليها، و بفهمهن الوقوف
عليها. فمن وفّقه اللّه لذلك، و يسرّه، فقد هداه من الحيرة، و أحياه