لا يضعها إلا في حقّها، و لا يمنعها عن
مستحقّها، فإنها جلاء و شفاء و نور و ضياء، بل كالداء إن لم تكن دواء، و كالفساد
إن لم تكن صلاحا، و كالهلاك إن لم تكن نجاة، تداوي و قد تدوي[1]
و تميت و تحي، فهي كالتّرياق الكبير الذي هو في نفسه وحده و تختلف الأحوال عنده
فيفعل الشيء و ضدّه بحسب القوابل و المنفعلات عنه، و الحواصل و المتوالد منه، بل
مثلها الغذاء و الضياء، فإن بالغذاء القوة و الزيادة، و بالضياء الإبصار و
الهداية.
فكما أن الصبيّ الصغير و الطفل الرضيع السليم من الداء، المستعدّ
للزيادة و النماء، يحتاج إلى حسن التربية، و لطف التغذية، و إطعام ما هو له أوفق و
أصلح، و فيه أزكى و أنجع، على معرفة و مقدار، ثم التدرّج بغذائه حالا بعد حال الى
استكمال قوّته، و تمام بنيته، لئلا يتغذى بما لا ينجع فيه، و لا يستمرئه فيمرضه و
يدويه، بل يهلكه و يرديه، فكان الذي أعدّ لشفائه و بقائه، هو سبب دائه و فنائه؛ أو
كالعليل الملتبس بالداء، البعيد من الشفاء، ان غذي لا ينتفع بغذائه، بل يزيد في
دائه، و ربما كان سبب هلاك نفسه، و انقضاء عمره. و أما الضياء فإنه لا يصلح إلا
لمن فتح عينه، و صح نظره، و قوي بصره، و يزيده الجلاء جلاء، و النور قوة و ضياء.
فأما من لم يفتح عينه، أو كان قريب العهد بالخروج من الظلام، فيضعف جدّا عن مقابلة
ضوء النهار، و نور الشمس، بل يكسبه الضياء ظلمة البصر، حتى ربما صار ضلالا و عمّى،
و كذلك من كان عليل الطرف أرمد العين، ذا عور، أو في بصره سوء و قذى، فلا يفتح
عينه فيبصر، و لا يعاين الصّور فيميز، بل يستريح أبدا إلى الظلمات، و يهرب من
الضياء، و كلما زاد الضياء نقص إبصاره، و ضعف إدراكه، فإن لجّ أدّاه الى الغشاء و
العماء[2]، و فقد
النظر و ذهاب البصر.
كذلك الواجب على من حصلت عنده هذه الرسائل و هذه الرسالة ان يتقي