عليها ما هم فيه مختلفون، سواء كان ما
اتفقوا عليه حقّا أو باطلا، صوابا أو خطأ.
و أما المرتاضون بالبراهين الهندسيّة أو المنطقية فإنهم يجعلون
قوانين قياساتهم الأشياء، التي هي في أوائل العقول، أصولا و مقدّمات، و يستخرجون
من نتائجها معلومات أخرى ليست بمحسوسات و لا معلومات بأوائل العقول، بل مكتسبة
بالبراهين الضرورية، ثم يجعلون تلك المعلومات المكتسبة مقدّمات و قياسات، و
يستخرجون من نتائجها معلومات أخرى هي ألطف و أدقّ مما قبلها؛ و هكذا يفعلون دائما
طول أعمارهم. و لو عاش الإنسان عمر الدّنيا لكان له في ذلك متّسع.
فصل في أن الحيوانات تتفاوت في الحواس و معلوماتها
و اعلم يا أخي بأن من الحيوان ما له حاسّة واحدة، و منه ما له
حاسّتان، و منه ما له ثلاث حواسّ، و منه ما له أربع، و منه ما له خمس حواسّ كما
بيّنّا في رسالة الحيوان.
و اعلم يا أخي بأن كلّ حيوان كان أكثر حواسّ فإنه يكون أكثر محسوسات،
فأما الإنسان فله هذه الخمس بكمالها، و لكن كل من كان من الناس أكثر تأمّلا
لمحسوساته، و أكثر اعتبارا لأحوالها، كانت المعلومات التي في أوّليّة العقل في
نفسه أكثر. و من كان بهذا الوصف و جعل هذه المعلومات الأوّليّة مقدّمات و قياسات،
و استخرج نتائجها، كانت المعلومات البرهانية في نفسه أكثر. و كل من كان أكثر
معلومات حقيقة، كان بالملائكة أشبه و إلى ربّه أقرب.