فيه هو أن يشار إلى نوع من الأنواع، ثم يبحث
عن جنسه و كمّية فصوله، و تجمع كلّها في أوجز الألفاظ، و يعبّر عنها عند السؤال؛
مثال ذلك: ما حدّ الإنسان؟ فيقال: حيوان ناطق مائت. فإن قيل: ما حدّ الحيوان؟
فيقال: جسم متحرّك حسّاس. فإن قيل: ما حدّ الجسم؟
فيقال: جوهر مركب طويل عريض عميق. فإن قيل: ما حدّ الجوهر؟
فيقال: لا حدّ له، و لكن له رسم، و هو أن تقول: هو الموجود القائم
بنفسه، القابل للصفات المتضادّة، فإن قيل: ما الصفات المتضادّة؟ فيقال:
أعراض حالّة في الجواهر لا كالجزء منها. فعلى هذا القياس يعتبر طريق
الحدود، و قد أفردنا لها رسالة.
و أما طريق البرهان و الغرض المطلوب فيه فهو معرفة الصّور المقوّمة
التي هي ذوات أعيان موجودة، و الفرق بينها و بين الصّور المتمّمة لها التي هي كلها
صفات لها و نعوت و أحوال ترادفت عليها، و هي موصوفة بها، و لكن الحواس لا تميّزها
لأنها مغمورة تحت هذه الأوصاف، مغطّاة بها، فمن أجل هذا احتيج إلى النظر الدقيق و
البحث الشافي في معرفتها، و التمييز بينها و بين ما يليق بها و يترادف عليها بطريق
القياس و البرهان.
فصل في ماهية القياس
و اعلم يا أخي أنه لما كان أكثر معلومات الإنسان مكتسبا بطريق
القياس، و كان القياس حكمه تارة يكون صوابا، و تارة يكون خطأ، احتجنا أن نبيّن ما
علّة ذلك، لكيما يتحرّز من الخطإ عند استعمال القياس، فنقول:
القياس هو تأليف المقدّمات، و استعماله هو استخراج نتائجها، و
مقدّمات القياس مأخوذة من المعلومات التي في أوائل العقول، و تلك المعلومات أيضا
مأخوذة أوائلها من طرق الحواسّ، كما بيّنّا في رسالة الحاسّ و المحسوس كيفيّتها.