و لما تبيّن لهم هذه الأشياء، كما ذكرنا،
لقّبوا و سمّوا الأشياء المتقدمة في الوجود الهيولى، و سموا الأشياء المتأخرة في
الوجود الصورة؛ و لما بان لهم أن الصورة نوعان: مقوّمة و متمّمة، كما بيّنّا في
رسالة «الكون و الفساد»، سمّوا الصّور المقوّمة جواهر، و سمّوا الصّور المتمّمة
أعراضا؛ و لما بان لهم أيضا أن الصّور المقوّمة حكمها حكم واحد، قالوا: إن الجواهر
كلّها جنس واحد. و كذلك لما تبيّنوا أن الصّور المتمّمة أحكامها مختلفة قالوا:
إن الأعراض مختلفة الأجناس، و هي تسعة أجناس مثل تسعة آحاد. فالجوهر
في الموجودات كالواحد في العدد، و الأعراض التسعة كالتسعة الآحاد التي بعد الواحد،
فصارت الموجودات كلّها عشرة أجناس مطابقة لعشرة آحاد، و صارت الأعراض مرتّبة بعضها
تحت بعض كترتيب العدد و تعلّقه في الوجود عن الواحد الذي قبل الاثنين.
فأما الألفاظ العشرة التي تتضمّن معاني الموجودات كلّها فهي قولهم:
الجوهر و الكمّ و الكيف و المضاف و الأين و متى و النّصبة (الوضع) و
الملكة و يفعل و ينفعل.
فصل
و اعلم يا أخي بأن كل لفظة من هذه الألفاظ اسم لجنس من الأشياء
الموجودة، و كلّ جنس ينقسم إلى عدة أنواع، و كلّ نوع إلى أنواع أخر، و هكذا دائما
إلى أن تنتهي القسمة إلى الأشخاص كما سنبيّن بعد.
و اعلم يا أخي بأن الحكماء لما نظروا إلى الموجودات، فأول ما رأوا
الأشخاص مثل زيد و عمرو و خالد؛ ثم تفكروا فيمن لم يروه من الناس الماضين و
الغابرين جميعا، فعلموا ان كلّهم تشملهم الصّورة الإنسانية، و إن اختلفوا في
صفاتهم من الطّول و القصر و السّواد و البياض و السّمرة