فمثل العالم الراغب في الدنيا، الحريص على
طلب شهواتها، كمثل الطبيب المداوي غيره و هو مريض لا يرجى صلاحه، فكيف يشفي المريض
بعلاجه؟ و قد قيل إن عالما زاهدا في الدنيا، يكون عالما بدين اللّه، و بصيرا بطريق
الآخرة، خير من ألف عالم راغب فيها. و قال المسيح، 7:
أيها العلماء و الفقهاء قعدتم على طريق الآخرة، فلا أنتم تسيرون
إليها فتدخلون الجنة، و لا تتركون أحدا يجوزكم فيصل إليها، و ان الجاهل أعذر من
العالم، و ليس لواحد منهما عذر.
و اعلم يا أخي بأن كل علم و أدب لا يؤدي صاحبه إلى طلب الآخرة، و لا
يعينه على الوصول إليها، فهو و بال على صاحبه و حجّة عليه يوم القيامة، و ذلك ان
الملوك و الجبابرة و الفراعنة و القرون الماضية كانت لهم عقول رضيّة، و آداب
بارعة، و سياسة و حكمة و صنائع عجيبة، و هكذا من كان يعاشرهم و ينادمهم و يقرب
إليهم، من وزرائهم و كتّابهم و عمّالهم و قوّادهم و علمائهم و أدبائهم، و لكن
هلكوا من أجل انهم صرفوا تلك القوى و العقول و الافهام و أكثر أفكارهم و تمييزهم و
رويّتهم في طلب شهوات الدنيا و التمتع بلذّاتها و نعيمها، بالرغبة الشديدة و الحرص
و التمني للخلود فيها، و جعلوا أكثر كدّهم و سعيهم في صلاح أمور الدنيا، حتى
عمروها و أهملوا الآخرة و ذكر المعاد، و لم يستعدّوا له، و ذكروا الدنيا و غفلوا
عن الآخرة و لم يتزوّدوا من الدنيا، و تركوها لغيرهم، و رحلوا عنها كارهين، فصارت
تلك النّعم وبالا عليهم، إذ لم ينالوا بها الآخرة، فخسروا الدنيا و الآخرة، ذلك هو
الخسران المبين.
و انما أكثر اللّه سبحانه في القرآن ذمّ هؤلاء و سوء الثناء عليهم،
لكيما يعتبر بهم المعتبرون ممن يجيء بعدهم، و يتّعظون بحالهم، و لا يغترّون
بالدنيا كاغترارهم، كما قال اللّه، جلّ ذكره:
«فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ» و قال: «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا
لَعِبٌ وَ لَهْوٌ