الدرجات و المراتب، و كان ذلك الفوت و
الحرمان هو عقوبته. و المثال في ذلك ما تقدّم ذكره في أمر المؤمنين المقرّين
المخلصين الصادقين، و المنافقين المخادعين المرتابين، و قد ذكر اللّه تعالى علامات
المؤمنين المخلصين الموقنين الصادقين و أعمالهم و أخلاقهم في آيات كثيرة من سور
القرآن، و ذكر أيضا علامات المنافقين المرتابين المرائين في آيات كثيرة، و خاصّة
ما في سورة الأنفال، و سورة التوبة، و سورة الأحزاب، بما فيه كفاية عن إعادته
هاهنا.
و يروى في الخبر أن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان يأمر الناس
أيام إمارته بقراءة هذه السّور، و يأمرهم بحفظها و درسها، و أن يأخذوا أنفسهم
بواجب ما ذكر فيها و براءة ساحتهم مما وصف فيها من صفات المنافقين المرتابين
الشّاكّين المرائين المخادعين. فينبغي لك يا أخي أن تجعل هذا الذي ذكرنا دليلا و
قياسا لك في كل ما تعامل به ربّك طول عمرك و أيام حياتك، إن أردت ان يرقّيك برحمته
في المراتب، و يرفعك في الدرجات، حتى يبلّغك أقصاها و أشرفها في الدنيا و الآخرة
جميعا، كما وعد اللّه تعالى ذلك بقوله:
و اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن اللّه، جلّ ثناؤه،
قد فرض على المؤمنين أشياء كثيرة يفعلونها، و نهاهم عن أشياء كثيرة يتركونها، كما
قلنا آنفا. و لكن ليس من فريضة من جميع مفروضات الشريعة و أحكام الناموس أوجب و لا
أفضل و لا أجلّ و لا أشرف و لا أنفع لعبد، و لا أقرب له إلى ربّه بعد الإقرار به،
و التصديق لأنبيائه و رسله فيما جاءوا به و خبّروا عنه، من العلم و طلبه و تعليمه.
و بيان ذكر شرف العلم، على ما ذكرناه من فضيلته و حلالته و فضل طلبه و تعلّمه، ما
روي عن النبي،