في ريبة متردّدا في دينه، متحيرا شاكّا
مذبذبا معذّبا قلبه، متألمة نفسه، كما ذكر اللّه تعالى بقوله: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما
أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ، وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ»
و قوله تعالى: «وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ
أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَ نَذَرُهُمْ فِي
طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ»[1].
و قال لنبيه، صلى اللّه عليهم و سلم: «هُمُ الْعَدُوُّ
فَاحْذَرْهُمْ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»[2].
فقد تبيّن بما ذكرنا طرف من كيفيّة اختصاص اللّه تعالى المؤمنين
بإفضاله و إنعامه و إحسانه إلى قوم دون قوم مكافأة لهم بحسب معاملتهم مع ربّهم في
عاجل الحياة الدنيا، قبل وصولهم إلى الآخرة، و كيف يحرم تلك النعم قوما آخرين
عقوبة لهم و جزاء لما تركوا من وصاياه و لم يعملوا بها.
فصل
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه، بأنه، جلّ ثناؤه، قد فرض على المؤمنين
المقرّين به و بأنبيائه أشياء يفعلونها، و نهاهم عن أشياء ليتركوها: كلّ ذلك
ليبتليهم بها، و جعلها عللا و أسبابا ليرقيّهم فيها و ينقلهم بها حالا بعد حال،
إلى أن يبلّغهم إلى أتمّ حالاتهم و أكمل غاياتهم.
و اعلم يا أخي بأن من بلّغه اللّه درجة و رتبة، فوقف عندها، و لم
يرجع القهقرى بعد بلوغها، ثم قام بحقّها و وفّى بشرائطها، جعل جزاءه و ثوابه ان
ينقله من تلك الرتبة و الدرجة إلى ما فوقها، و يرفعه من تلك إلى ما هو أشرف و أجلّ
منها. و من جهل قدر النعمة في تلك الرتبة فلم يشكرها، و لا اجتهد في طلب ما فوقها،
و لا رغب في الزيادة عليها، كان جزاؤه ان يترك مكانه، و يوقف حيث انتهى به عمله، و
يحرم المزيد، فيفوته ما وراء ذلك و فوقه من