هذا هو مشاهد، و لكن الذي نحتاج أن نذكره
علامات سعداء أبناء الآخرة و أخلاقهم و أعمالهم، إذ كان هذا أمرا خفيّا لا يعلم
إلّا بعد الوصف و الشرح و الدليل و العلامات.
فصل في انقسام الناس في السعادة أربعة أقسام
اعلم يا أخي أن الناس ينقسمون في سعادة الدنيا و الآخرة و شقائهما
أربعة أقسام: فمنهم سعداء في الدنيا و الآخرة جميعا، و منهم أشقياء فيهما جميعا، و
منهم أشقياء في الدنيا سعداء في الآخرة، و منهم سعداء في الدنيا أشقياء في الآخرة.
فأما السعداء في الدنيا و الآخرة جميعا فهم الذين وفر حظّهم في
الدنيا من المال و المتاع و الصحة، و مكّنوا فيها، فاقتصروا منها على البلغة و
رضوا بالقليل، و قنعوا به، و قدّموا الفضل إلى الآخرة ذخيرة لأنفسهم، كما ذكر
اللّه تعالى بقوله: «وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ» و قال اللّه سبحانه: «وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً» و
آيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى.
و أما سعداء أبناء الدنيا و أشقياء أبناء الآخرة فهم الذين وفر حظّهم
من متاعها و مكّنوا منها و ارتقوا فيها، فتمتعوا و تلذّذوا و تفاخروا و تكاثروا، و
لم يتّعظوا بزواجر الناموس، و لم ينقادوا له، و لم يأتمروا لأمره، و تعدّوا حدوده،
و تجاوزوا المقدار، و طغوا و بغوا و أسرفوا، و اللّه لا يحب المسرفين، و هم الذين
أشار إليهم بقوله، جلّ ثناؤه: «أَذْهَبْتُمْ
طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا، وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها» إلى آخر الآية. و قال: «مَنْ كانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.» و آيات كثيرة في القرآن في وصف هؤلاء.