و مما خصّت به أيضا النفس الناطقة الإنسانية
من نعم اللّه تعالى و إحسانه العقل الغريزيّ و كثرة أعوانه و جنوده و خصاله
المحمودة، كما سنبيّن بعد و أما التي تنسب من الخصال المحمودة إلى النفس الحكمية
فشهوة العلوم و المعارف و ما أعينت به على طلبها و إدراكها و الوصول إليها من
الخصال المركوزة و القوى المجبولة: كالذّهن الصافي و الفهم الجيّد و ذكاء النفس، و
صفاء القلب و حدّة الفؤاد، و سرعة الخاطر، و قوّة التخيّل و جودة التصوّر، و الفكر
و الرويّة و التأمّل و الاعتبار، و النظر و الاستبصار، و الحفظ و التذكار، و معرفة
الروايات و الاخبار، و وضع القياسات و استخراج النتائج بالمقدّمات، و التكهّن و
القيافة و الفراسة، و قبول الوحي و الالهام، و رؤية المنامات، و الانذار بالكائنات
بعلم النجوم و الزّجر: كلّ ذلك معاونة لها و تأييد إلى البلوغ إلى الغاية و الوصول
إليها. و أما التي تنسب إلى النفس الملكيّة القدسيّة فهي شهوة القرب إلى ربها و
الزّلفى لديه، و قبول الفيض منه، و إفاضة الجود على من دونها من أبناء جنسها، كما
ذكر اللّه تعالى بقوله: «يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ»، و قوله سبحانه: «يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ»، و
قوله: «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا»، و
قال: «كِراماً كاتِبِينَ» الآية. فهذا تفصيل جملة
ما ينسب إلى كلّ جنس من النفوس، و المخصوص بها من الشّهوات المركوزة فيها، فأما
التي تعمّها كلّها فشهوة البقاء على أتم الحالات و أكمل الغايات و كراهية الفناء و
النقص عن الحال الأفضل و الأكمل.
فصل
و اعلم يا أخي، أيّدك اللّه بروح منه، بأنك ان أنعمت النظر فيما
وصفنا، و تأملت ما ذكرنا، و جوّدت البحث عن مبادئ الكائنات و علة الموجودات، علمت
و تيقّنت ان هاتين الحالتين، أعني شهوة البقاء و كراهية الفناء، أصل