و الأعمال و الحذق فيها و الافتخار بها، و
شهوة العز و الرفعة و الترقي في غايات نهاياتها، و الشوق إليها و الرغبة فيها، و
الحرص في طلبها، و احتمال الذّلّ و المشقة من أجلها، و الفرح و السرور من وجدانها،
و اللّذة و الراحة عند الوصول إليها، و الغمّ و الحزن من فقدانها.
فصل في اختلاف مناهج النفوس
و اعلم يا أخي بأن هذه الخصال مركوزة في جبلة الإنسان، و لكن تختلف
اختيارات كلّ واحد لها حسب ما تيسّر له و تتأكّد أسبابه، و ذلك أن من الناس من
تيسّر له أسباب الصنائع و الحرف، و آخر أسباب العلوم و الآداب، و آخر تيسّر له
أسباب العمل و التصرّف، و آخر أسباب التّجارات و البيع و الشراء، و آخر أسباب
الملك و السّلطان، و آخر أسباب البطالة و الفراغ، و آخر أسباب الحكم و المعارف كما
سنبيّنه بعد هذا الفصل.
و مما أعطيت النفس الناطقة من نعم اللّه تعالى و خصّت به من إحسانه،
من بين نفوس سائر الحيوانات، و أعينت به على البلوغ إلى أقصى مدى غاياتها، و أيّدت
للوصول إلى تمام نهاياتها، هذا الهيكل العجيب البنية، المحكم الصورة، المتقن
الصنعة الذي قد عجزت الحكماء عن كنه معرفته، و تركيب بنيته من غرائب الصنعة مما قد
وصف طرف منه في كتاب منافع الأعضاء و كتاب التشريح من كيفية انتصاب قامته من بين
سائر الحيوانات، و ما خصّ به أيضا من فصاحة لسانه و غرائب لغاته و فنون أقاويله و
حسن بيانه من بين سائرها، و ما خصّ به أيضا من طريف شكل يديه، و ما يتأتّى له بهما
من الصنائع المحكمة و الأعمال المتقنة من بين سائرها، و ما خصّ به أيضا من طرائف
أدوات حواسّه و غرائب طرقات إدراكها للمحسوسات، كما وصفنا في رسالة الحاسّ و
المحسوس.