و كلّ المزاجات التسعة في غاية الاعتدال،
ليكون بها متهيئا و قابلا لجميع أخلاق الحيوانات، و خواصّ طباعها؛ كلّ ذلك كيما
يسهل عليه و يتهيّأ له إظهار جميع الأفعال، و الصنائع العجيبة، و الأعمال المتقنة
المختلفة، و السياسات المحكمة، إذ كان إظهارها كلّها بعضو واحد و أداة واحدة و خلق
واحد و مزاج واحد يتعذّر على الإنسان، كما بيّنّا في رسالة الصنائع البشريّة. و
الغرض من هذه كلّها هو أن يتمكّن للإنسان و يتهيّأ له التشبّه بإلهه و باريه الذي
هو خليفته في أرضه، و عامر عالمه، و مالك ما فيه، و سائس حيوانها[1]،
و مربّي نباتها، و مستخرج معادنها، و متحكّم و متسلط على ما فيها، ليدبّرها
تدبيرات سياسية، و يسوسها سياسة ربوبيّة، كما رسم له الوصايا الناموسية و الرياضات
الفلسفيّة؛ كلّ ذلك كيما تصير نفسه بهذه العناية و السياسة و التدبير ملكا من
الملائكة المقرّبين، فينال بذلك الخلود في النعيم أبد الآبدين و دهر الداهرين، كما
ذكر في بعض كتب أنبياء بني إسرائيل، قال اللّه تعالى: «يا بن آدم خلقتك للأبد، و
أنا حيّ لا أموت؛ أطعني فيما أمرتك به، و انته عما نهيتك عنه، أجعلك حيّا لا تموت
أبدا. يا بن آدم أنا قادر على أن أقول للشيء كن فيكون؛ أطعني فيما أمرتك به، و
انته عما نهيتك عنه، أجعلك قادرا على ان تقول للشيء كن فيكون.» و إذ قد تبيّن بما
ذكرنا ما الغرض و ما المراد من وجود الأخلاق المختلفة في جبلّة الانسان و طبيعته،
فنريد ان نذكر العلل و الأسباب التي بها و من أجلها تختلف اخلاق البشر و سجاياهم:
كم هي، و ما هي، و كيف هي، إذ قد تبيّن، فيما تقدّم، لم هي.