اعلم يا أخي أن اخلاق الناس و طبائعهم تختلف من أربعة وجوه، أحدها من
جهة أخلاط أجسادهم و مزاج أخلاطها، و الثاني من جهة تربة بلدانهم و اختلاف
أهويتها، و الثالث من جهة نشوئهم على ديانات آبائهم و معلميهم و أستاذيهم و من
يربيهم و يؤدّبهم؛ و الرابع من جهة موجبات أحكام النّجوم في أصول مواليدهم، و
مساقط نطفهم، و هي الأصل و باقيها فروع عليها.
و نحتاج إلى شرح هذا الباب ليتبيّن صدق ما قلنا، و حقيقة ما وصفنا، و
نبدأ أولا بذكر العلل و الأسباب التي تكون من جهة أخلاط الجسد و تغيّرات أمزجتها
من الاعتدال و الزيادة و النّقصان، و ما يتبعها من الأخلاق و السجايا المختلفة
المتضادّة.
فصل في اختلاف الأخلاق من جهة الأخلاط
اعلم يا أخي بأن المحروري الطّباع من الناس و خاصّة مزاج القلب
يكونون على الأمر الأكثر شجعان القلوب، أسخياء النفوس، متهوّرين في الأمور
المخوفة، قليلي الثبات و التأنّي في الأمور، مستعجلي الحركة، شديدي الغضب، سريعي
المراجعة، قليلي الحقد، أذكياء النفوس، حادّي الخواطر، جيّدي التصوّر؛ و المبرودين
في الأمر الأكثر يكونون بليدي الذهن، غليظي الطباع، ثقيلي الأرواح، غير نضيجي
الأخلاق؛ و المرطوبين يكونون في أكثر الأمر ذوي طباع بليدة و قلّة ثبات في الأمور،
ليّني الجانب، سمحاء النفوس، طيبي الأخلاق، سهلي القبول، سريعي النّسيان، مع كثرة
تهوّر في الأمور الطبيعية؛ و اليابسي المزاج يكونون في أكثر الأمور صابرين في
الأعمال، ثابتي الرأي، عسري القبول، الغالب عليهم الصبر و الحقد و البخل و الإمساك
و الحفظ.