و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن موضوعات الصّنّاع و
مصنوعاتهم و آلاتهم و ادواتهم و أجسادهم كلّها أجسام، و الجسم من حيث الجسميّة ليس
بمتحرّك و الافعال لا تكون إلّا بالحركة، فالمحرّك للأجسام جوهر آخر، و هو الذي
نسميه نفسا، و النفوس، من حيث النفسيّة، جوهر واحد، كما أن الأجسام، من حيث
الجسميّة، جوهر واحد، و انما تختلف النفوس بحسب اختلاف قواها؛ و اختلاف قواها بحسب
اختلاف أفعالها و معارفها و اخلاقها، كما ان اختلاف الأجسام بحسب اختلاف أشكالها،
و اختلاف أشكالها بحسب اختلاف أعراضها.
و اعلم بأن نفس العالم نفس واحدة، كما ان جسمه جسم واحد بجميع أفلاكه
و كواكبه و أركانه و مولّداته، و لكن لما كانت لنفس العالم أفعال كلّيّة بقوّى
كلّيّة، و أفعال جنسية بقوى جنسية، و أفعال نوعية بقوى نوعية، و أفعال شخصية بقوى
شخصية، و هي حركتها من المشرق إلى المغرب و بالعكس، و من الشمال إلى الجنوب و
بالعكس، و من فوق إلى أسفل و بالعكس، سميت هذه القوى بأفعالها نفوسا جنسية و نوعية
و شخصية، فتكثّرت النفوس بحسب قواها المختلفة، و تكثّرت قواها بحسب أفعالها
المفتّنة، كما تكثّر جسم العالم بحسب اختلاف أشكاله، و تكثّرت أشكاله بحسب اختلاف
أعراضه، فأفعال نفس العالم الكلّيّة هي إدارتها الأفلاك و الكواكب من المشرق إلى
المغرب بالقصد الأول، و تسكينها مركزها الخاصّ بها؛ و أفعالها الجنسية ما يختص بكل
فلك و كل كوكب من الحركات الستّ العارضة، كما بيّنّا في رسالة السماء و العالم، و
ما يختص أيضا بالأركان الأربعة التي تحت فلك القمر من الحركات الطبيعية، كما
بيّنّا في رسالة الكون و الفساد؛ و أفعالها النوعيّة ما يختص بالكائنات الموّلدات
التي هي