الغرباء، و خاصّة من دلّ مولده عليها، و
يكونون فيها أحذق و أنجب، و من أجل هذا أوجبوا في سياسة أردشير بن بابكان على أهل
كل طبقة من الناس لزوم صناعة آبائهم و اجدادهم قطعا، و ان لا يتجاوزوها، و زعموا
ان ذلك فرض من اللّه، عزّ و جلّ، في كتاب زرادشت.
و اعلم بأن هذا كلّه صيانة للملك ان لا يرغب فيه من ليس من أهله،
لأنه إذا كثر الطالبون للملك، كثر التنازع بينهم، و إذا كثر التنازع، كثر الشّغب،
و اضطربت الأمور، و انفسد النّظام؛ و فساد النظام يتبعه البوار و البطلان[1].
فصل في الغرض من الملك
و اعلم بأن الغرض من الملك هو حفظ الناموس على أهله أن لا يندرس
بتركهم القيام بموجباته، لأن أكثر أهل الشرائع النبويّة و الفلسفية، لو لا خوف
السلطان، لتركوا الدخول تحت أحكام الناموس و حدوده و تأدية فرائضه، و اتباع سنّته،
و اجتناب محارمه، و اتباع أوامره و نواهيه.
و اعلم بأن الغرض من حفظ الناموس هو طلب صلاح الدين و الدنيا جميعا،
فمتى ترك القيام بواجباته، انفسدا جميعا، و بطلت الحكمة، و لكن السياسة الإلهية و
العناية الرّبانية لا تتركهما ينفسدان، لأنها هي العلّة الموجبة لوجودهما و
بقائهما و نظامهما و تمامهما و كمالهما، و كل صورة في المصنوع فإنها أولا تكون في
فكر الصانع و علمه.