المصنوعة الطبيعيّة و الصّناعيّة، و غرضهم
في جمعها و حفظها مخافة الفقر.
و الفقراء هم المحتاجون إليها و طلبهم الغنى.
و اعلم أن الغرض في كون الناس أكثرهم فقراء، و خوف الأغنياء من
الفقر، هو الحثّ لهم على الاجتهاد في اتخاذ الصنائع، و الثبوت فيها، و التّجارات،
و الغرض فيهما جميعا هو إصلاح الحاجات، و إيصالها إلى المحتاجين؛ و الغرض في ذلك
متاع لهم إلى حين. و الغرض في تمتّعهم إلى حين هو أن تتمّم النفس بالمعارف
الحقيقية و الأخلاق الجميلة و الآراء الصحيحة و الأعمال الزكيّة، و الغرض في تتميم
النفس التمكين لها من الصعود إلى ملكوت السماء، و الغرض في صعودها إلى ملكوت
السماء هو النجاة من بحر الهيولى و أسر الطبيعة، و الخروج من هاوية عالم الكون و
الفساد إلى فسحة عالم الأرواح، و المكث هناك فرحا مسرورا ملتذّا مخلّدا أبدا.
فصل في أن كل صناعة تحتاج إلى الفكر و التعقل
و اعلم يا أخي أنّا إنما ذكرنا هذه الصنائع و المهن، و نسبنا هذه
الرسالة إلى رسائل العقل و المعقول، لأن هذه الصنائع يعملها الإنسان بعقله و
تمييزه و رويّته و فكرته التي كلّها قوى روحانية عقلية. و أيضا ان كل عاقل إذا
فكّر في هذه الصنائع و الأفعال التي تظهر على أيدي البشر، فيعلم أن مع هذا الجسد
جوهرا آخر هو مظهر هذه الأفعال المحكمة، و هذه الصنائع المتقنة من هذا الجسد، لأن
الجسد قد يوجد بعد الممات برمّته تامّا لم ينقص منه شيء، و قد فقدت منه هذه
كلّها، فيعلم أن معه جوهرا آخر فارقه، فمن أجل ذلك فقدت هذه الفضائل كلّها، لأنه
هو الذي كان يحرّك هذا الجسد و ينقله من موضع إلى موضع في الجهات السّتّ، و كان
يحرّك أيضا بتوسّطه أشياء خارجة من ذاته، و كان أيضا يحمل معه حملا على ظهره و
كتفه،